البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي

• يُصوِّر جميل بن معمر لقاءه بمحبوبته بثينة بنت حيان بعد حقبة من الزمن وقد كبر جميل، وولى عهد شبابه، وتبدلت ملامحه، وظهر الشيب في رأسه، وفعلت به الأيام الأفاعيل. أما بثينة أو بُثنة كما يحلو له نداؤها فهي كما هي لا تزال شابة وجميلة، وهي جميلة في نظر جميل على كل الأحوال. وفي هذه الأبيات هو يصف حالها قائلاً:

 وأنت كلؤلؤة المرزبان بماء شبابك لم تعصري

قريبان مربعنا واحدٌ فكيف كبرت ولم تكبري 

موضع الشاهد في هذه الأبيات قوله:(بماء شبابك لم تعصري) وماء الشباب هو تعبير مجازي، يستخدم لوصف نضارة الوجه، وقد ذكره كثير من الشعراء، ومن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة:

هي مكنونة تحير منها

في أديم الخدين ماء الشباب  

وكذلك قول أبي نواس:

جال ماء الشباب في خديكَ

وتلالا البهاء في عارضيكَ 

 وقد عزا البعض أصل هذا اللفظ إلى أسطورة ينبوع الشباب، التي ورد ذكرها في كتابات المؤرخ الإغريقي (هيرودوت). ولكنِّي أُسنِد الأمر إلى نظرة العرب الثاقبة، وفطنة شعرائهم. فالأمر الظاهر في من أصابه الكبر أن جلده يتجعد، ويبدو عليه الجفاف، كالعنب حين يُجفف فينكمش ويصير زبيباً، وهو ما وصفه جميل أدق الوصف. 

وهذه العملية تحدث لعدة أسباب، منها نقص (الكولاجين والإيلاستين)، وهما بروتينان أساسيان يحافظان على مرونة الجلد وقوته، وبغيابهما تظهر التجاعيد والترهلات. وأكثر ما يؤدي إلى تلفهما التعرض المباشر للأشعة فوق البنفسجية زمناً طويلاً، وهناك بعض العادات الضارة التي تؤدي إلى تجعد الجلد قبل أوانه، مثل التدخين، وذلك بالحيلولة دون وصول العناصر الغذائية والأوكسجين إلى الجلد، وهما من لوازم الحفاظ على صحته. كما أن هناك أسباباً مَرَضِية تؤدي إلى  الأمر ذاته، ألا وهو تجعد الجلد، كالإصابة ببعض الأمراض الاستقلابية مثل داء السكري، وأمراض الكبد والكلى، وإنَّ للكليتين دوراً مهماً في الحفاظ على توازن السوائل والكهارل داخل الجسم. ولكن السبب الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بمقولة جميل، هو عدم قدرة الجلد على الاحتفاظ بالرطوبة مع التقدم في السن، فيكون الجلد حينها أكثر عرضة للجفاف والتشقق والتجعد وكأنه قد عُصِر كما وصفه هذا النحرير.

وهذا التغير يطرأ على الجلد الذي هو ظاهر جسد الإنسان، أما في باطن جسده فيحدث أمرٌ مماثل لهذا، فنسبة الماء في جسد الإنسان تقل مع التقدم في العمر كما ينص علم الفيسيولوجيا، فالأطفال حديثو الولادة تقدر نسبة الماء في أجسادهم ب 78% إلى 80% أو أكثر، لتنخفض إلى 65% عند بلوغهم السنة الواحدة كنسبة متوسطة. أما في سن الشباب والكهولة فتكون نسبة الماء في جسد الرجل 60% كنسبة متوسطة. ونسبة الماء في جسد المرأة 55% وذلك بسبب ارتفاع نسبة الدهون في جسد المرأة، فإن نسبة الدهون تتناسب عكسياً مع نسبة الماء. وتنخفض هذه النسبة مع التقدم في السن لتصل إلى نسبة تقدر ب 45% ويقال في بعض المراجع 47% عند الشيخ أو العجوز اللذين عُصِرا وذهب ماء شبابهما.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *