في معظم الحالات لا يوجد سبب واضح.. الدوار الموضعي الحركي الحميد (BPPV)

37
د. عصام صالح

• يُعدّ الدوار الموضعي الحركي الحميد (Benign Paroxysmal Positional Vertigo – BPPV) من أكثر أسباب الدوار الحقيقي انتشارًا. وعلى الرغم من شدة الإحساس بالدوران الذي يسببه، إلا أنه حالة حميدة وغير خطيرة، ويمكن علاجها بسهولة عبر مناورات بسيطة إذا تم تشخيصها بشكل صحيح.

الكثير من المرضى — بل وبعض الأطباء — يخلطون بين BPPV وبين الأنواع الأخرى من الدوار مثل الالتهاب الدهليزي، أو منيير، أو الدوار المركزي، أو الدوخة القلبية، أو الدوخة النفسية.

ولذلك فإن فهم العلامات المميزة لـ BPPV يسهّل التشخيص بشكل كبير.

الفصل الأول: ما هو BPPV وكيف يحدث؟

BPPV يعني حرفيًا:

حميد: ليس مرضًا خطيرًا ولا يؤدي لمضاعفات خطيرة.

نوباتي: يأتي على شكل نوبات قصيرة.

وضعي: يظهر فقط عند تغيير وضعية الرأس.

دوار حقيقي: إحساس أن الغرفة تدور.

داخل الأذن الداخلية توجد ثلاث قنوات هلالية مليئة بسائل مسؤول عن التوازن. كما توجد بلورات صغيرة تُدعى «الأوتوكينيا».

عندما تنفصل هذه البلورات من مكانها الطبيعي وتدخل في إحدى القنوات، تتحرك مع السائل عند تحريك الرأس، فيرسل الدماغ إشارات خاطئة – فيشعر الشخص بدوار مفاجئ ودوران حقيقي.

الفصل الثاني: أسباب حدوث BPPV

في معظم الحالات لا يوجد سبب واضح.

لكن توجد عوامل تزيد من احتمالية حدوثه، مثل:

التقدم في العمر

إصابة الرأس

البقاء طريح الفراش لفترة طويلة

نقص فيتامين D

أمراض الأذن الداخلية السابقة

التهاب دهليزي سابق

بعد إجراءات الأسنان التي تتطلب اهتزاز الرأس

بعد عدوى فيروسية بسيطة

الفصل الثالث: الأعراض المميزة جدًا لـ BPPV

هذه النقاط هي التي تجعل التمييز سهلًا للغاية:

1. نوبات قصيرة جدًا من الدوار الحقيقي

غالبًا تستمر ثوانٍ فقط، وقد تصل إلى نصف دقيقة.

لا تستمر ساعات ولا أيام.

2. تحدث فقط عند تغيير وضع الرأس

مثل الالتفات يمينًا ويسارًا، أو الاستلقاء، أو الجلوس، أو الانحناء، أو رفع الرأس.

3. لا توجد الدوخة أثناء الجلوس أو الوقوف دون حركة للرأس

إذا لم تُحرّك الرأس ، لا توجد نوبة.

4. الدوار عبارة عن دوران حقيقي

ليس «خفة رأس» أو «قرب الإغماء»، بل دوران كامل.

5. لا توجد أعراض عصبية خطيرة

مثل ضعف الأطراف، صعوبة الكلام، ازدواج النظر — وهذه نقطة التمييز الكبرى.

6. قد يصاحبه غثيان بسيط

لكن نادرًا ما يكون شديدًا.

الفصل الرابع: كيفية تشخيص BPPV بسهولة

اختبار ديكس-هالبايك (Dix-Hallpike)

هذا الاختبار يعتبر الأساس.

هو ببساطة:

يجلس المريض على السرير.

يدير رأسه 45 درجة.

يستلقي بسرعة للخلف مع إبقاء الرأس مائلًا للخلف قليلًا.

تظهر النوبة عادة بعد ثوانٍ قليلة: دوار قوي لكنه قصير.

ظهور الدوار القصير عند هذا الاختبار يعتبر علامة شبه مؤكدة على BPPV.

الفصل الخامس: علاج BPPV — بدون أدوية

العلاج الحقيقي ليس بالأدوية، بل عبر مناورات إعادة البلورات.

1. مناورة إيبلي (Epley Maneuver)

هي الأكثر نجاحًا.

تعيد البلورات إلى مكانها الطبيعي.

يستجيب المريض غالبًا من أول جلسة.

2. مناورة سيمونت (Semont)

بديل قوي للحالات الشديدة.

3. تمارين براندت-داروف (Brandt-Daroff)

يُجريها المريض في المنزل في الحالات المتكررة.

الأدوية مثل «ميكليزين» أو «سيرك» لا تعالج السبب، بل فقط تقلل الغثيان، وينبغي استعمالها لفترة قصيرة جدًا.

الفصل السادس: لماذا يتكرر BPPV؟

يتكرر لأن البلورات يمكن أن تنفصل مرة أخرى.

العوامل المؤدية للتكرار:

نقص فيتامين D

النوم الطويل على جهة واحدة

التقدم في السن

نوبات سابقة

الراحة الطويلة بالفراش

أمراض الأذن الداخلية

لكن المطمئن أنه يستجيب في كل مرة لنفس المناورات.

الفصل السابع: كيف نميّز BPPV بسهولة عن غيره؟ 

التمييز يعتمد على ثلاثة أسس:

مدة النوبة، ارتباطها بالوضعية، ووجود أو غياب الأعراض المرافقة.

أولًا: الفرق بين BPPV والالتهاب الدهليزي (Vestibular Neuritis)

نوبة BPPV قصيرة جدًا (ثوانٍ).

الالتهاب الدهليزي يسبب دوارًا مستمرًا لساعات أو أيام.

في BPPV المريض يستطيع المشي بين النوبات.

في الالتهاب الدهليزي يفقد المريض القدرة على الاتزان ويترنح.

الالتهاب الدهليزي غالبًا بعد فيروس، ويأتي معه غثيان شديد جدًا.

BPPV مرتبط بتحريك الرأس فقط، بينما الالتهاب الدهليزي يكون موجودًا حتى دون حركة.

ثانيًا: الفرق بين BPPV ومرض منيير (Ménière’s)

BPPV نوباته قصيرة جدًا، بينما منيير نوبته تستمر من 20 دقيقة إلى ساعات.

منيير يرافقه طنين شديد وانسداد بالأذن وفقدان سمع — وهذه علامات غائبة تمامًا في BPPV.

BPPV يأتي عند الحركة، أما منيير فيأتي دون أي حركة للرأس.

مرض منيير نادر نسبيًا مقارنة بـ BPPV.

ثالثًا: الفرق بين BPPV والدوار المركزي (Central Vertigo)

BPPV ليس خطيرًا ولا يسبب ضعفًا أو خدرًا.

الدوار المركزي يصاحبه أعراض عصبية مثل: صعوبة الكلام، ازدواج النظر، اختلال تام في المشي، ضعف الأطراف.

الدوار المركزي قد يستمر طويلًا وغير مرتبط بوضعية الرأس.

BPPV يتحسن مع مناورة إيبلي، بينما الدوار المركزي لا يتحسن.

أي دوار مع أعراض عصبية = ليس BPPV.

رابعًا: الفرق بين BPPV والدوخة النفسية أو القلق

BPPV نوباته قصيرة وواضحة ومحددة بسبب حركة الرأس.

الدوخة النفسية مائعة وغير محددة وتستمر أسابيع.

القلق لا يسبب إحساس دوران حقيقي بل «خفة» وغربة عن الواقع.

BPPV يختفي تمامًا بين النوبات، بينما القلق مستمر.

خامسًا: الفرق بين BPPV والدوخة القلبية

BPPV لا يسبب إغماء.

الدوخة القلبية قد تسبب سقوط أو إغماء.

الدوخة القلبية مرتبطة بالخفقان أو المجهود.

BPPV مرتبط فقط بتحريك الرأس.

الفصل الثامن: علامات الخطر التي تقول: هذا ليس BPPV

يجب البحث عن طبيب فورًا إذا ظهرت:

دوار يستمر أكثر من ساعة

ضعف أو خدر في الجسم

صعوبة كلام أو عدم اتزان شديد

صداع غير عادي

فقدان مفاجئ للسمع

إغماء أو سقوط

حرارة عالية أو تصلب الرقبة

هذه علامات دوار مركزي أو عدوى أو مشكلة قلبية — وليس BPPV.

الفصل التاسع: خطوات سهلة للوقاية وتقليل النوبات

النوم على وسادة مرتفعة قليلًا

تجنب النوم على نفس الجهة كل ليلة

تحريك الرأس ببطء عند الاستيقاظ

علاج نقص فيتامين D

ممارسة تمارين الاتزان

تجنب الانحناء المفاجئ

تجنب الأعمال التي تتطلب رفع الرأس لفترات طويلة

الخلاصة

BPPV هو أكثر أسباب الدوار شيوعًا، لكنه أيضًا الأسهل في التشخيص إذا عُرف المفتاح:

نوبة قصيرة جدًا، مرتبطة بحركة الرأس، بلا أعراض عصبية.

ويتجاوب غالبًا مع مناورة بسيطة مثل إيبلي، دون حاجة لأدوية كثيرة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *