عُرس النخيل: مشروع زراعة 30 مليون نخلة  بالشمالية

77
pic 111
hams

منذ آلاف السنين شكلت أشجار النخيل جزءاً أساسياً من حياة سكان ضفاف النيل في شمال السودان.  فقد كان النخيل شاهداً على تطور الحضارات السودانية ومساهمًا رئيسيًا في استدامة الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وحتى اليوم لا تزال هذه الشجرة المباركة تمثل عنصراً إقتصادياً وثقافياً بالغ الأهمية في البلاد.

أهمية النخلة في الموروث الإجتماعي السوداني

لا تقتصر قيمة النخلة على إنتاج ثمار التمر التي تصل إلى نحو (400) ألف طن سنوياً حيث يعد السودان الدولة السابعة عالمياً من حيث إنتاج التمور بل تمتد أهميتها لتشمل الموروث الثقافي والعادات الإجتماعية. 

فعلى سبيل المثال يعتبر جريد النخيل الذي يحمله الرجل ليلة عرسه رمزاً لحسن الفأل في الزواج التقليدي.

كذلك لعبت أجزاء النخلة دوراً بارزاً في الحياة اليومية لإنسان السودان فقد كانت ولا زالت من الاغذية الرئيسية لسكان الشمال.

ولا تخلو مائدة منه سواء كان فى شكل « قراصة تمر « او مرافقاً لوجباتهم مثل التقليدية مثل التركين.

كما يقدم فى الأفراح والأتراح ويدخل ايضاً فى المشروبات الشعبية.

اما منذ القدم فقد استخدمت سيقان وجريد النخيل في سقف المنازل بينما صنعت الأثاث الأواني المنزلية، وسائل الري، المفارش، والحبال من أجزاء أخرى منها.

النخلة: شجرة تاريخية ذات قيمة بيئية

النخلة من أقدم الأشجار البستانية التي دخلت إلى السودان قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام. 

تنتمي هذه الشجرة إلى فصيلة النباتات المزهرة من العائلة أحادية الفلقة والاسم العلمي لها هو Phoenix.

تتميز النخلة بجذع طويل غليظ يميل إلى اللون الأخضر في صغرها ثم يتحول إلى اللون الرمادي مع تقدمها في العمر. 

تحمل الشجرة بين (30) إلى (50) سعفة، ويمكن أن يصل طولها إلى ما بين (8) و(15) متراً، وأحياناً يبلغ (25) متراً.

التمور السودانية: ثروة اقتصادية واعدة

يتركز حوالي (80%) من إنتاج التمور السودانية على الشريط النيلي شمال الخرطوم حيث تزدهر زراعة التمور في الولاية الشمالية. 

تنتج هذه المنطقة نحو (18) نوعًا مختلفًا من التمور بما في ذلك أنواع نادرة مثل «القنديلة». وتسود فيها التمور الجافة ونصف الجافة التي تعد من الأنواع الأكثر طلباً.

تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من ثمانية ملايين نخلة في السودان ويؤكد الخبراء أن التمور السودانية يمكن أن تصبح منتجًا إستراتيجيًا إذا نال هذا القطاع الدعم والاهتمام المطلوبين.

فعالية «حش التمر»: تظاهرة اقتصادية شعبية

بنهاية ديسمبر من كل عام، تختتم أكبر تظاهرة اقتصادية شعبية تشهدها الولايات الشمالية في السودان، حيث يحصد الأهالي عوائد بيع التمر بعد الموسم في فعالية تُعرف محليًا بـ»حش التمر»، مما يتيح للأسر حالة من السعة الاقتصادية والرفاه.

تتميز المنطقة الشمالية من السودان بأنواع متعددة من التمر، منها: «القنديل»، «البركاوي»، «التمود»، «المشرق»، و»الجاو». وتسبق عملية «حش التمر» تجهيزات كبيرة تشمل تنظيف الأشجار من الحشائش وتنظيف أشجار النخيل نفسها حتى يتمكن العمال من الصعود عليها وتنظيفها. 

كما تشمل التحضيرات تجهيز الجوالات والمشمعات التي تُفرش على الأرض لتساقط التمر عليها، في مشهد يعكس تراثاً زراعياً غنياً يساهم في رفد الاقتصاد المحلي.

النخيل في القرآن والسنة النبوية

حظيت النخلة بمكانة مميزة في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث ذُكرت في العديد من المواضع مما يعكس أهميتها وفوائدها العظيمة. 

فقد ورد ذكرها في أكثر من عشرين آية في القرآن الكريم منها قوله تعالى: «وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا» (سورة مريم: 25)، في إشارة إلى المعجزة التي منحها الله للسيدة مريم أثناء ولادتها.

كما ورد في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تؤكد فضل النخيل والتمر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر» (رواه البخاري ومسلم)

في إشارة إلى فوائد التمر الصحية وخصائصه الوقائية.

هذا الاهتمام الإلهي والنبوي بالنخلة يعكس قيمتها الغذائية والاقتصادية، ويجعلها رمزاً للبركة والخير في حياة المسلمين.

النخيل في الموروث الثقافي والأدبي:

في الموروث الثقافي والأدبي السوداني، يعتبر النخيل رمزاً عميقاً للثبات والجذور، وقد ذكر الأديب العالمي السوداني الطيب صالح في روايته العالمية «موسم الهجرة إلى الشمال النخيل حين قال»:- 

«ونظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارانا؛ فـ علمت أن الحياة لا تزال بخير .. أنظر إلي جذعها القوي المعتدل؛ وإلي عروقها الضاربة في الأرض؛ وإلي الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها.. فـ أُحس بالطمأنينة؛ أُحس أنني لست ريشه في مهب الريح .. ولكنني مثل تلك النخلة مخلوق له أصل؛ له جذور؛ له هدف».

كما تغنى العديد من الفنانين بالنخيل وللنخيل باعتباره شاهداً على الحُبّ والمكان ومرآةً للذكريات الجميلة في القرى على ضفاف النيل.

من أبرز الأغاني السودانية أغنية «النخيل» للمبدع عثمان حسين والتي تعتبر من الروائع الغنائية التي ترسم صورة شاعرية للطبيعة السودانية وجمالها. 

كما تأتي النخلة في الأغاني الشعبية خصوصاً في أغنيات منحى النيل كتعبير عن الفخر بالأرض والعطاء الوفير.

وفي أشعار الحماسة والأغاني الوطنية.

حيث يرمز النخيل إلى الصمود والشموخ، حيث يُشبَّه الإنسان السوداني بالنخلة التي تقف شامخة رغم التحديات. 

يعكس هذا الارتباط الفني والثقافي بالنخيل مدى ارتباط السودانيين بالطبيعة وتقديرهم لهذة الشجرة المباركة التي شكلت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم وتاريخهم.

أعظم مشروع أخضر في تاريخ السودان

حين يتنفس الشمال عبير النخيل وتتحول أرضه إلى واحة من الحياة والجمال حيث يتمايل النخيل شامخاً في عناق دائم مع الشمس والرمال. 

بجمال هذا المشهد الرومانسي تتجسد رؤى حركة السودان الأخضر التي تقود بأمر الشعب وبدافع قناعاته مشاريع الأمن الغذائي في كافة ولايات السودان تحت شعار ملهم: «ما يخصني لن يكون بدوني».

في هذا السياق، تؤمن الحركة بأن من لا يملك قوته لا يملك قراره، لذا تسعى إلى تحقيق السيادة الغذائية عبر مبادرات ضخمة تعيد تشكيل ملامح السودان الزراعية. 

ومن أعظم هذه المشاريع الرائدة مبادرة زراعة 30 مليون نخلة في الولاية الشمالية وفق خطة محكمة من ثلاث مراحل على مدى عشر سنوات.

النخيل: وعُرس الشمال ورمز السيادة الغذائية

تتزين الولاية الشمالية بتربتها الذهبية ومائها العذب لتصبح موطنًا لأكبر مشروع نخيل في تاريخ السودان. 

المشروع الذي يمتد على مساحة تقارب 250 ألف فدان سيكون علامة فارقة في الإنتاج الزراعي ليس فقط محلياً بل عالمياً حيث ستغرس النخيل من أنواع عالية الإنتاجية والجودة مثل المجدول من فلسطين، ودقلة نور من الجزائر وتونس، وأجود أنواع الرطب من العراق والسعودية.

ويأتي المشروع محمولًا على عزيمة أبناء الشمال، سواء في الداخل أو المغتربين ليشهد أعظم نفير شعبي في تاريخ السودان الحديث حيث يصبح النخيل رمزاً للنهضة والإرادة الجماعية.

الفوائد الاقتصادية للمشروع

تصدُر السودان إنتاج التمور عالميًا:

في أقل من خمس سنوات سيصبح السودان الدولة الأولى عالميًا في إنتاج وتصدير التمور ومنتجاتها، متفوقًا على مصر التي تمتلك حوالي 20 مليون نخلة لكنها لا تنافس في السوق العالمي.

سيادة غذائية

يعتبر التمر من الأغذية الرئيسية لسكان المنطقة الشمالية من السودان، ويسهم هذا المشروع بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي عبر تعزيز السيادة الغذائية. 

إذ أن النخيل يعد مصدراً رئيسياً للغذاء في المنطقة ويعتبر التمر من الأطعمة الأساسية التي يعتمد عليها السكان في غذائهم اليومي.

 عائدات ضخمة:

العائد المتوقع من المشروع يقارب 6 مليارات دولار سنويًا مما يعزز الاقتصاد السوداني.

{ فرص عمل واسعة: سيوفر المشروع فرص عمل لما يقارب نصف مليون مواطن (حوالي 80% من سكان الولاية) في مجالات زراعية وتصنيعية وغذائية مرتبطة بالنخيل.

 تحسين المناخ:

سيؤدي المشروع إلى خفض درجة حرارة الولاية وما جاورها بمعدل 5 درجات مئوية، إلى جانب مكافحة الزحف الصحراوي عبر أحزمة خضراء رائعة الجمال تحمي مجرى النيل من زحف الرمال. 

كما يعمل المشروع على مكافحة الزحف الصحراوي وحماية التربة والشواطئ والأحواض مثل حوض السليم. 

بالإضافة إلى ذلك، سيسهم في تحسين الطرق القومية مثل شريان الشمال مما يعزز التنقل ويسهم في التنمية الاقتصادية المستدامة.

بيئة زراعية جديدة

بتنفيذ مشروع النخيل سوف تتوفر بيئة جديدة ملائمة لزراعة الموالح والمانجو مما يعزز من الأمن الغذائي وإزالة الفقر بإضافة أنشطة زراعية جديدةومن ثم الاتجاه نحو الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية المصاحبة التي تفتح بدورها مجالات أوسع لتصدير عدة منتجات من بيئة واحدة.

إعادة التوازن البيئي وجمال الطبيعة:

زراعة أحزمة غابات النخيل ستعيد التوازن البيئي وتؤدي إلى عودة الطيور والحيوانات النادرة التي هجرت المنطقة.

ستكون هناك واحات طبيعية ومحميات تشجع السياحة البيئية والعلاجية.

إقامة مشاريع مرتبطة بالسياحة النهرية سيضيف بعدًا جديداً للمنطقة يعيد إليها ألق الحضارات العريقة التي سكنت أرضها.

الإستدامة والصناعات تحويلية:-

مركز أبحاث النخيل: 

تتبنى حركة السودان الأخضر مشروع إقامة مركز أبحاث النخيل بالشمالية بالتعاون مع جامعة دنقلا وكل الجهات ذات الصلة.

معمل للأنسجة:

تستعد حركة السودان الأخضر لتمويل إنشاء معمل للأنسجة من خلال شركة مساهمة عامة، ليكون اللبنة الأولى في المشروع.

الأسمدة العضوية:

مخلفات النخيل من السعف وغيره ستوفر 20 ألف طن من الأسمدة العضوية سنوياً مما يساهم في استصلاح أراضٍ جديدة وزراعة القمح والفول والخضروات.

صناعات متعددة:

من سعف النخيل وجريده يمكن تصنيع الحبال، الحصائر الأخشاب المضغوطة وحتى مواد البناء.

السياحة والتطوير الاقتصادي:-

تشجع حركة السودان الأخضر على الاستثمار في البنية التحتية للولاية، بما في ذلك تطوير طريق شريان الشمال ومطاري مروي ودنقلا بنظام الشراكة مع شركات عالمية لإعادة التأهيل والتطوير.

الرقابة على التعدين وحماية البيئة

تدعو الحركة إلى فرض رقابة صارمة على التعدين الأهلي العشوائي وفرض ضريبة لا تقل عن 5% على الشركات المستخرجة للذهب، على أن تذهب تلك الضرائب لصندوق أحزمة النخيل لدعم المشروع القومي.

رسالة عشق وأمل للشمال وأهله:-

نمد أيدينا إلى سكان ولايتي الشمالية ونهر النيل بإخلاص ومحبة، ندعوهم للالتفاف حول هذا المشروع القومي ليصبح الشمال أكبر مزرعة نخيل في العالم وأكبر مصدر للتمور بأنواع فريدة وعديدة.

إن النخيل هو عُرس الشمال وأضخم مشروع أخضر في تاريخ السودان وهو قصيدة من العشق للأرض والوطن والإنسان.

حلمنا لا يتوقف هنا فكل ولاية سودانية لها مشروعها الأخضر من زراعة التين الشوكي والصناعات التحويلية في البحر الأحمر، إلى زراعة الخروب والباباي في جبال النوبة وهكذا سوف نرسم خارطة إقتصادية تنموية إبداعية لكل شبر في هذا الوطن.

إن تبني حركة السودان الأخضر لهذا المشروع من خلال سعيها ورؤيتها في التغيير الإيجابي الإنسيابي الأخضر عبر كل مبادراتها انطلاقاً من مبادرة بنك البذور والزراعة المنزلية (الجبراكة) ومشروع القرى النموذجية الخضراء وكذلك المدرسة الإنتاجية الإبداعية الخضراء وغيرها من رؤى وأهداف حركة السودان الأخضر في سودان أخضر جديد.

إنها دعوة للحياة والعمل حيث الأمل يقودنا نحو مستقبل أخضر تحت ظلال هذا الوطن الشامخ الأبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *