
البراء بشير
كاتب صحفي
• وقف رجلٌ يرقب خادرةً من الفراشات وهي في آخر أيامها من طور العذراء، تحاول الفكاك من شرنقتها، وتريد الخروج من خلال ذلك الثقب الصغير الموجود في الشرنقة، وفجأة سكنت أطرافها، فأراد أن يساعدها في التخلص من الشرنقة بسرعة؛ ظناً منه أنها استسلمت، فقصَّ الشرنقة فخرجت الفراشة هزيلةً ضعيفة ذابلة الجناحين، لا تقوى على الحراك؛ وذلك لأن دورة حياتها لم تمضِ على النحو الصحيح. ففي الوضع الطبيعي هي تنتظر خروج سوائل من جسمها إلى أجنحتها لتستطيع الطيران، وهو لم يتركها تكمل ذلك واستعجل خروجها، فأفسد حياتها بغير علم.
وفي هذه القصة كان الضرر الناتج من استعجال الرجل واقعاً على غيره، وفي أكثر الأحيان يكون الضرر واقعاً على المتعجل نفسه، فالاستعجال دوماً يعمي البصائر عن اتخاذ القرار الصحيح، ويكون فيه تهورٌ لا تحمد عقباه، ولن ينال أحدٌ بالعجلة ما لم ينله بالتأني.
ويمكن تعريف الاستعجال بأنَّه التفكير في المرام دون اتخاذ السُبل والوسائل؛ فالمتعجل يكون كالشخص المصاب بطول النظر، لا يرى أمامه إلا الهدف البعيد، ويعمى عن الطريق والعقبات التي يجب أن يخوضها للوصول إلى الهدف، بل يعمى حتى عن الأهداف الصغيرة التي قد ينالها فتكون مؤنسات له، وتُهِّون عليه طول الطريق الذي يسلكه للوصول إلى مبتغاه، وتفوته لذاتٌ كثيرة نتيجة لضيق أفقه وانحسار رؤيته، وأخيراً تفوته اللذة الكبرى؛ وهي لذة الوصول إلى الهدف وتلك غاية المستعجلين.
فيجب عليك أن تعلم تمام العلم أن للحياة قواعد ثابتة، ولكل شيءٍ وقته المناسب له، لذلك يجب عليك الصبر إلى جانب العمل، ولا تستعجل شيئاً قبل أوانه فتحرم منه كلياً، ولا تندم بعد الصبر وحسن التصرف؛ فإنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وأذكرُ هنا ما أورده أحمد شوقي في إحدى حكاياته الشعرية للأطفال، والتي تكون غالباً عن الحيوانات، أن قُبرة (عصفورة) كانت تعلِّمُ صغيرها الطيران، وتطلب منه التأني، وتحذره من الاستعجال، ولكنه لم يستمع لها. والقصيدة جميلة وشيقة للصغار والكبار، إلى جانب الحكمة المستقاة منها:
رَأَيتُ في بَعضِ الرِياضِ قُبَّرَه * تُطَيِّرُ اِبنَها بِأَعلى الشَـــجَرَه
وَهيَ تَقــولُ يا جَمــــالَ العُشِّ * لا تَعتَمِد عَلى الجَناحِ الهـَشِّ
وَقِف عَلى عـــودٍ بِجَنبِ عـــودِ * وَاِفعَل كَما أَفعَلُ في الصُعودِ
فَاِنتَقَلــَت مِـــن فَنَنٍ إِلــى فـنَن * وَجَعَلــــَت لِـــكُلِّ نَقــــلَةٍ زَمَــن
كَي يَستَريحَ الفَرخُ في الأَثنـاءِ * فَــــلا يَمَــــلُّ ثِقَـــلَ الهَـــــواءِ
لَكِـــنَّهُ قَد خَــــالَفَ الإِشـــــارَه * لَمّـــــا أَرادَ يُظــهِرُ الشَـطارَه
وَطارَ في الفَضاءِ حَتّى اِرتَفَعا * فَخـــــانَهُ جَنــــــاحُهُ فَوَقَــــعا
فَاِنكَسَـــرَت في الحـالِ رُكبَتاهُ * وَلَــــم يَنَل مِــنَ العُـــلا مُنــاهُ
وَلــَو تَأَنّى نــــالَ مــــا تَمَــــنّى * وَعــــــاشَ طـــولَ عُمـرِهِ مُهَنّا
لِكُلِّ شَــيءٍ فــي الحَيـــاةِ وَقتُهُ * وَغـــــايَةُ المُستَـــعجِلينَ فَوتُهُ
شارك المقال