عندما تكون القيادة بلا أهداف

42
محمداني

هيثم محمداني

كاتب صحفي

• القيادة تكليف وليست تشريفاً، وهي مسؤولية عظيمة تبدأ من الأسرة في بيوتنا، وتمتد إلى المؤسسات والمجتمعات كافة. فكل راعٍ مسؤول عن رعيته، كما جاء في الحديث الشريف: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”. هذه المسؤولية ليست مجرد لقب أو منصب، بل هي التزام بوضع الخطط والأهداف التي تسير بالأمة نحو التقدم والاستقرار، وإلا غرقت السفينة في بحر العشوائية.

إن القيادة بلا أهدف كالطائر بلا جناحين، يسقط في أول عاصفة. تأمل كيف كان الصحابة يفكرون في أدق التفاصيل فيما استرعاهم الله عليه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال: “لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها: لِمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟”. أي نظرة بعيدة هذه؟ وأي إحساس عظيم بالمسؤولية؟ لم يكن ذلك إلا لأن عمر كان قائدًا صاحب رؤية وأهداف، يدرك أن النجاح لا يأتي بالصدفة، بل بالتخطيط والعمل المنهجي.

غياب الأهداف: دوامة الفشل المتكرر

تحديد الأهداف لأي عمل هو أساس النجاح، فإن غابت الرؤية الواضحة ولم يعمل الجميع وفق نسق موحد ومنظم، سنجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، نكرر الأخطاء، ونظل نقول إن “المركب ماشية”، لكنها بلا وجهة! النجاح المؤقت قد يخدعنا، لكنه لا يضمن استمرارية التقدم. القائد الحقيقي لا يفكر في اليوم فقط، بل ينظر إلى الأجيال القادمة، يمهد الطريق لهم، ويؤسس لما بعده، ليكملوا المسيرة.

الفرق بين القيادة الحقيقية والإدارة التقليدية

كثيرًا ما نرى دولاً ومؤسسات سبقتنا وحققت إنجازات عظيمة، رغم أن من يقودها ربما كانوا أقل منا خبرة، ولكنهم امتلكوا رؤية واضحة، وعملوا لتحقيقها. القيادة ليست مجرد تراكم سنين، بل هي أهداف ورؤى، فلربما بدأ شاب بسيط بمشروع صغير، لكنه وضع أهدافًا محددة، فحقق ما لم يستطع غيره تحقيقه خلال عقود.

فن القيادة: التخطيط للأجيال القادمة

القائد الناجح لا يكتفي بالنظر تحت قدميه، بل يرفع رأسه، يخطط لمستقبل لا يراه بعينيه، لكنه يؤمن به بعقله وقلبه. وإن لم يحقق هو الأهداف، يأتي من بعده ليكمل المسيرة. هذا هو جوهر تكامل الأجيال، وهذا هو النجاح الحقيقي: أن نبني اليوم ما يستمر غدًا، أن نمهد الطريق لمن يأتي بعدنا، فلا تكون الإنجازات مؤقتة، بل متجذرة ومتواصلة.

القيادة ليست أن تحكم، بل أن تبني، وأن تترك أثراً لا يُمحى، فهل نحن مستعدون لقيادة تحمل الرؤية والاهداف؟ أم سنظل نكرر أنفسنا بلا طائل؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *