عمر محمد بابكر (عمر بنك) : أطلقوا علي النار .. تلوت الشهادة .. وقلت لهم افعلوا ما تريدون
Admin 5 يوليو، 2025 11

متابعة - وليد العشي
الالتزام بـ «الخط التحريري للصحيفة» قد لا يعطينا مساحة كافية لاستعراض ما نشعر به، أو ما نحسه تجاه الأهل الذين ننتمي إليهم وهم يحكون لنا قصصهم بأنفسهم، فهذا الالتزام لا يتيح لنا الخلط بين الكتابة التي تستند إلى المعلومات والأحداث الحقيقية وتلك التي تُعبّر عن المشاعر المتبادلة بيننا وبين أبطال هذه القصص» .. ولكن عزاؤنا أن يدركوا أن هناك من يحمل معهم هول مصابهم الأليم وما لاقوه من أهوال ومصاعب ..
كذلك برواية «قصة الفرد الواحد»، نهدف أن نقدم شيئاً يلقي الضوء على القضية الأكبر التي نحاول تقديمها وحقيقة ما يعيش فيه مجتمعنا السوداني من تحديات على كل الأصعدة وحقيقة تلك المليشيات التي أصبحت أذرعاً لتحقيق أهواء وأغراض من يقفون وراءها .. ويصبح المواطن العادي آخر ما يهمهم .. والسؤال الأهم هو مدى نجاح هذه القصص في رفع الوعي وتحريك الضمائر المغيبة من أهل السياسة والمطامع الشخصية».

عمر محمد بابكر سعيد (الشهير بعمر بنك) من مواطني مدينة الحصاحيصا التي عرفت بالجمال والهدوء ومن المشهود لهم بحسن المعشر وخدمة أهل المدينة وتقديم الغالي والنفيس في خدمة الدعوة وأعمال الخير ..
يحكي لنا في هذه الأسطر تجربته خلال فترة اجتياح قوات الدعم السريع المدينة ونهب مملتكاتها وترويع أهلها .. قائلاً:
كانت الحصاحيصا تنعم بالسكينة والطمأنينة ما بعد سقوط العاصمة الخرطوم.. بل فتحت يديها لاستقبال المتضررين من الحرب سواء كانوا ضيوفاً لدى اقاربهم او ايجار للمنازل وكان الوضع مريحاً..
والأهم ان الأمان والأمن كان يعم المدينة وما جاورها حتى سقوط مدينة ود مدني قلب الجزيرة .. فأصيب السكان بالهلع والخوف بسبب دخول قوات الدعم السريع لود مدني..
الذي عرف عن أفراد هذه القوات انهم لا يقومون بشئ سوى الدمار والخراب والقتل والاغتصاب وكل ذلك كان قد حدث في الخرطوم وقصصاً تحكى من سكانها..
بعد سقوط ود مدني بأربعة ايام قامت هذه المليشيات الإرهابية بدخول مدينة الحصاحيصا بتاريخ ٢٠/12/٢٠٢٣م.
في نفس ذلك اليوم تهجموا علينا في منزلي بحي الفيحاء .. وكانوا مجموعة من أفراد قوات الدعم السريع وكان هدفهم المال والذهب الموجود داخل المنزل مدعين ان أحدهم أرشدهم على منزلي على أنني أعمل في تجارة السلاح فذكرت لهم أنني كنت موظفاً حكومياً وان منزلي هذا مجهود 35 عاما من العمل، لم يصدقوا ما قلت لهم.
قال لي احدهم: يعني عايز تقنعني انه البيت دا كلو ما فيهو ولا قرش! نحن بندخل برانا وبنشوف ونفتش.
دخلوا المنزل وكان معي أقاربي من الخرطوم نزحوا، والحمدلله انه المكان كان يتسع للجميع.
قاموا بتقليب جميع المراتب الموجودة في سرائر الحوش مبررين انه قد يكون هنالك سلاح .. وأي هاتف وجدوه أخذوه معهم، و كانو يريدون الدخول للمنزل بالداخل فقلت لهم: إنه بالداخل يوجد نساء ولم اسمح لهم بالدخول.
دخل منهم إثنان من الباب الخلفي فوجدا سيارة ملك احد السكان المستأجرين وكان قد سافر هو وأهل بيته خوفاً من تكرار ما حدث لهم في الخرطوم وترك سيارته لأن الخروج بها شبه مستحيل.
جاءا وأخبرا من كانوا معي بأن بالخلف توجد سيارة .. قال لي احدهم : تعال معانا بره.
خرجت معهم وخرج معي قريبي.
قالو له: ارجع نحنا دايرين الحاج دا براهو.
قال لي: يا حاج نريد مفتاح السيارة.
قلت لهم: هي اصلاً ما حقتي والمفتاح مع سيدهاعندها قام بتعمير سلاح واطلق علي النار واصبت في رجلي.
ولم يكترثو لإصابتي وقالوا: نريد مالاً، فأقسمت لهم انه لا يوجد مال في المنزل إلا مال يخص المسجد وقيمته 300,000 .
قالوا : لن نخرج الا ان نأخذ المال معنا .. وبالطبع في ذاك الوقت لم افكر إلا في النساء الموجودات بالداخل، ولصرفهم عني جلبت لهم المال.
وحاولو اخذ السيارة ولكن باءت محاولتهم بالفشل.
دخلت المنزل وكان الجميع خائفاً ومرعوباً.. وظنوا انهم قامو بقتلي!
طمأنتهم بأنها إصابة خفيفة لأن اسرتي كانت في حال لا يعلم به الا الله.
لم يمر وقت قليل على خروجهم، حتى جاءت مجموعة ثانية بثلاث تاتشرات وعدد من المواتر وكانو يريدون الدخول للمنزل وذكرت لهم ما حدث وإصابتي من مجموعة منهم ..
حاولوا الدخول فمنعتهم فقالوا انهم يريدون السيارة وحاولو تشغيلها وعندما لم تعمل قامو بسحبها وقالوا لي نحن سنأخذك معنا..
واخذوني معهم بالتاتشر وقالوا لي سنقتلك وقاموا برفع سلاح على رأسي وعلى جانبي مبررين سببهم بانني اتاجر بالسلاح.
فقلت لهم إن الموت حق وان ما من احد قد يموت مرتين فقلت «اشهد ان لا اله إلا الله واشهد ان محمداً رسول الله» .. افعلوا ما تريدون الآن ..
قال احدهم: (الزول دا ما تاجر سلاح ولا حاجة .. لو عندو شي كان خاف من الموت نزلو نزلو ساي ) وبعد ان ذهبت الى المنزل كانو يترددون في الدخول علي كل حين .. حتى جاء الليل.
قابلت طبيب يسكن بالقرب مني وقال لي : لابد من عمل عملية جراحية لإخراج الرصاصة لانها قد تتسبب في سموم للجسم، الوضع كان صعب جداً.
ومن ضمن اقاربي الموجودين معي كان احدهم يعمل استخبارات للجيش ولديه صديقه يعمل استخبارات ايضاً ولكنه مزورع في وسط الدعم في الخرطوم فطلب منه الحضور للحصاحيصا ليقوموا بإخراج كل الموجودين من المنزل والسفر الى كسلا وقال له ان زوج خالتي قد اصيب في قدمه ويجب اخراجه وعمل عملية جراحية له.
وصل الشاب ثاني يوم ومعه إثنان من افراد قوات الدعم السريع اقاموا معنا يومين يبحثون عن حافلة لإخراج كل من كان بالمنزل.
في يوم 2023/12/24م تحركنا من مدينة الحصاحيصا الحبيبة في هلع وخوف لا نعلم ما العمل ولا حتى المصير لا نحمل سوى ارواحنا.
وصلنا مدينة الفاو في المساء، قضينا ليلتنا في استراحة، وواصلنا السير في الصباح متوجهين إلى كسلا.
مساء ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كسلا وذهبت ثاني يوما الى المستشفى وحددت لي عملية في اليوم الثاني واجريت لي العملية وأخرجت الرصاصة من قدمي والحمد لله.
بعد عدة أيام تحركنا الى مدينة عطبرة حيث كانت تقيم اختي. واقمنا معهم فترة، وبعدها استأجرت منزل لي و لأسرتي الصغيرة حتى طلب من ابنتي الكبرى القدوم لمباشرة العمل في مدينة كسلا وهي تعمل في كلية المجد للعلوم الطبية والتكنولوجيا (كلية المجد) لانها فتحت عدة مراكز بالخارج عندها ذهبت ابنتى ووالدتها واخواتها وابنتها الى كسلا وانا سافرت الى الشمالية، حيث يوجد الأهل، لان جذوري من الشمالية منطقة الزومة.
مكثت ثلاثة اشهر ورجعت إلى كسلا واخذنا كل الفترة المتبقية في كسلا.
جاءت البشارة بان الجيش قد استلم مدينة الحصاحيصا .. والحمدلله نحن الان في منزلنا بعد ان عدنا إليه ووجدناه في حالة خراب ودمار كبير، ولكن الحمدلله على نعمة العودة لمدينتنا الحبيبة الحصاحيصا.
رجعنا ونحن في لهفة لمنزلنا .. فقدنا الكثير والكثير .. ولكننا بإذنه تعالى سنعيده كمان كان بمشيئة الله تعالى.
اتمني الأمن والأمان الدائم لبلدي السودان ولكل بلاد المسلمين في كل أرجاء المعمورة .. وان يعود إلينا السودان الحنين كما كان خير ورخاء و ايخاء ويعم فيه الامن والسلام يارب.
شارك القصة