عماذا نكتُب إن لم نَكتبْ عَنْ مُبادرةِ إعمارِ جامعةِ الجَزيرةِ!؟
Admin 4 أكتوبر، 2025 122
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• يُمكن للمخرّبين أن يهدموا البنيان، ويمكن لهم أن يسرقوا الأجهزة، ويعوثوا الخراب المبين، لكن هيهات أن يسرقوا العقول والكوادر التي تبني، والأفكار التي تنتج المبادرات الحرة القوية، فأبناء جامعة الجزيرة يتحدُّون اليوم دواعي الهدم وأسباب الخراب بمبادرتهم التي طافت الأرجاء والآفاق، وكرروا على كل منبر (نحن هنا)، فاتحدوا وشمروا عن سواعد البناء، وبدأوا من علٍ ومن حيث ينتهي النجاح، وظهر ذلك في الترحيب الواسع الذي لقيته المبادرة من الداخل والخارج، واصطفاف جميع المهتمين وغيرهم خلفها، ما يعني أن قوة الفكر انتصرت على قوة البطش.
(نحن لها)، هكذا انبرت عبارات الأكاديميين، وحققوا قول الشاعر:
«فما نالَ العُلا مَن قد عصاهُ»، وهم حققوا العلا لأنهم لم يعصوا دربه، ولم يفارقوا مسلكه، فكانوا بحق (المعرفةُ تبني).
كان التنافس في الخير والتسابق النبيل، فها هي الدفعة 18 طب تقوم بإعادة تأهيل وصيانة القاعة 105 بمجمع الرازي، وقد شارك أفراد من الدفعة في جمع المساهمات، والتي وصلت في مجموعها نحو 15 ألف ريال سعودي تقريبًا حتى الآن، وعلى ذكر المساهمات، فقد تدافع أعضاء المبادرة بمختلف وجهاتهم في إرسال المساهمات الشهرية، وكذلك التبرعات الكبيرة، لرفد المبادرة بقوة ونجاح كبيرين. وكذلك الإنجازات التي تمت في الحصاحيصا والكاملين والحوش وحنتوب وفداسي والكلية التطبيقية وكلية الطب وفي مجمع النشيشيبة.
المتأمل لدواعي تأسيس جامعة الجزيرة، لا يستعجب حين يرى أبناءها اليوم يمثلون ذلك المجتمع الذي بنيت من أجله وأُسِّست، أُسِّست الجامعة لخدمة المجتمع، وربط التعليم بمتطلبات التنمية التي برزت في طول عمر الجامعة من العام 1975 وحتى اليوم، وبرز ذلك في الدور المجتمعي والقومي الذي تقوم به الجامعة في كل الحقب المختلفة من تأريخ السودان السياسي، كانت الجامعة هي الأم الرؤوم لكل العهود، فقد بادلتها الحكومات المتعاقبة حبًّا بحب، ولم يبخل عليها أبناؤها اليوم، ليرسموا صورة تجسّد معاني الأمومة الحقة بين الأبناء وأمهم الفخيمة، نبراس الجامعة لم يظلم؛ بل ظل متوقدًا رغم ظروف الحرب ببنيها من الأساتذة والخريجين في المهجر وفي الداخل، الذين انبروا لترميم ما خربته الحرب بيد من لا يعرف قيمة لمثل هذه الصروح، ويرى مراقبون ـ تواصلت معهم ـ أن هذه المبادرة هي نبت جديد لرؤى جديدة، ربما تعبّر عن روح الوحدة ليس في الإعمار والبنيان فقط، بل لإحياء روح الجامعة الواحدة واليد الواحدة، وروح الإثرة ونكران الذات، فكانت (المعرفةُ تبني).
لا شك عندي أن التحدي كبير، رغم هذا الحماس المفرط لمجموعة الإعمار، وذلك في الظرف العام الذي تمر به البلاد، وبالتالي المواطن، خصوصاً خريجي وأساتذة الجامعة، حيث هم جزء من المجتمع ينعكس عليهم ما على مجتمعهم من تعاظم المسؤوليات المترتبة جراء الحرب، والهموم التي يحملونها على عاتقهم، والمسؤوليات التي ازدادت اليوم، ما يجعل المورد المالي صعب المنال لكنه ممكن، وأيضًا القيود اللوجستية للتحويلات النقدية من الخارج، وكذلك عائق التواصل مع السلطات لتذليل الصعاب وتفهّم المبادرة، سيما أن الحكومة نفسها غير مستقرة، ما يجعل ذلك عائقًا كبيرًا لاستمرارية العمل، لكن (المعرفةُ تبني).
مسؤولو الجامعة بدءًا من مديرها البروفسير صلاح الدين محمد العربي، وانتهاءً بكل موظفيها، أيًّا كان مقامهم ومكانهم، لم يدخروا أي جهد أو عون أو دعم للمبادرة، ما يُحسب ذلك واحدًا من مصادر قوتها ونجاحها، فلم يكونوا أولئك الموظفين البروقراطيين الذين لا يعملون ولا يسمحون للغير أن يعملوا، بل كانوا جزءًا من المبادرة بالتواصل والتخاطب والنصح والتعاون، بيد أن المبادرة خرجت نفسها منهم.
مبادرة جامعة الجزيرة تُعدّ واحدة من المبادرات التي تُخلد في ذاكرة المجتمعات، ويقتبس منها الخيرون نورًا وهدايةً، ليرسموا لوحات مشابهة، تعكس أصالة الشعب السوداني داخل البلاد وخارجها، مجتمع من صفوة الناس يلتقون بكل تواضع ليرفعوا شأن منبر عظيم من منابر العلم، طوبى لبلادي وطوبى لكم، فبحق المعرفةُ تبني، ولا خير فينا إن لم نقلها «سيروا وعين الله ترعاكم».
شارك المقال