معتصم تاج السر

معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• عبارة يعرفها جيداً إخوتنا العسكريون لكنها ليست مجرد أمر ميداني يُمنح للجندي وسط التدريبات، بل هي هبة إنسانية خالصة، وفسحة قصيرة تلامس فيها الروح شيئاً من الطمأنينة وسط لهاث الطوابير وصخب التعليمات. 

ففي تلك الدقائق تُستعاد الأنفاس، وتُرمم النفس المنهكة. 

لحظة واحدة من الصمت قد تكون كفيلة بتهدئة عاصفة داخلية لا يراها أحد.

في العشر دقائق صفا قد يجلس الجندي على حافة ظلّ، يرشّ قليلاً من الماء على وجهه، ثم يأخذ رشفة هادئة كما لو أنها نهرٌ من حياة.

يرفع عينيه إلى السماء، ويراقب الغيم وهو ينساب في صمتٍ.

أو يصلي فيها فرضاً.

أو يستحضر صوت أمه وهي تدعو له عند الفجر، أو وجه محبوبته كما تركه ذات وداع، أو يبتسم خفية لصورة طفلٍ لم يكبر بعد. 

يخرج من جيبه مذكرة مهترئة كتب فيها وجعاً ذات ليلة، أو قلادة صغيرة أخفاها عن العيون، لكنها تحتفظ برائحته الأولى وبانتمائه الأول.

هي لحظات لا تُقاس بالزمن، بل بما تمنحه من دفء في برد الميدان، وما تبثه من حياة وسط يوميات التدريبات والمهام. 

يعود بعدها الجندي إلى مكانه لكنه ليس ذاته..!! 

شيء ما بداخله قد تماسك من جديد. 

شيء ما استعاد قوته واستعدّ ليكمل المسير.

وهكذا يجب أن نرى نحن السودانيين هذه المرحلة من الحرب التي مزقت أرواحنا وشتّتت بيوتنا. 

أن نراها رغم قسوتها كأنها «عشر دقائق صفا» في مسيرة التاريخ. 

نعم… الأمر يبدو صعباً وربما مستحيلاً، ولكننا بحاجة إلى أن نتوقف لا لنسقط بل لننهض.

لنلتقط أنفاسنا من تحت الأنقاض، ونفتش عن أرواحنا بين ركام الخوف واليأس. 

لنمسح دموعنا ونغسل وجوهنا من غبار الكراهية والتفرقة والعنصرية. 

أن لا ننظر إلى بعضنا كأعداء بل كشركاء في حلم وطنٍ واحد، وأن نعلم إنه لا بقاء لأي ظالم ومعتدٍ على هذا الشعب وأرضه ومقدراته.

أن نقف عشر دقائق صفا بصدق مع أنفسنا للعلم أن وحدتنا هي قوتنا ومصدر نصرنا.

هي فرصة نرتب فيها ذواتنا، ونُنظف جراحنا، ونُعيد تشكيل أفكارنا، ونفتح نوافذ القلوب للحياة. 

عشر دقائق فقط من الصفا قد تعيدنا إلى الجوهر، إلى الحنين النقي، وإلى الوطن كما حلمنا به أول مرة. 

وطن نغرس فيه شجرة، ونبني فيه مدرسة، ونكتب فيه قصيدة، ونفتح فيه ألف بابٍ للسلام والمحبة.

فيا الله…

هبْ لهذا الوطن الجريح أياماً وليالي تُسكِتُ فيها صوت المدافع، وتُحيي بها صوت الحكمة.

اغسلْ أرضه من الدم، وقلوب أهله من الأحقاد والكراهية والعنصرية، وابعث فيهم نور المحبة، ودفءَ المصالحة.

واجعلْ من دمعهم مطراً يُنبت سلاماً وعدلاً وكرامة.

اللهم احفظ السودان أرضاً وشعباً.

وَرُدّه إلينا سالماً كما نحب وكما يليق به أن يكون.

آمين.

مودتي والسلام

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *