“عرفات” .. وادٍ من نور ومقام من رجاء

370
معتصم تاج السر

معتصم تاج السر

كاتب صحفي

غداً موعدٌ لا يشبه سواه.
غداً يسكن الزمان ويفتح الله أبواب السماء ويُرسل على القلوب طمأنينةً لا تُشترى ولا تُوصف.
غداً يوم عرفة حيث تقف الأرواح عند عتبة الرحمة وتحمل في كفوف الدعاء أمنياتها المؤجلة وتُخبئ تحت ظلّ الشمس دموعاً طاهرة لا يراها إلا الله.

هناك عند جبل الرحمة حيث تذوب ذنوب العاشقين كما يذوب الشوق في نظرة اشتياق.
هناك لا يُسأل المرء عن اسمه ولا عن قبيلته ولا عن عمره.
بل يُسأل عن قلبه: هل جاء خاشعاً..؟ هل أحب الله بصدق..؟ وهل سامح مَن أساء..؟ وهل صافح الأقدار برضا المُحبين..؟

قال أحد العارفين: “ما دعوتُ دعوةً في يوم عرفة إلا ورأيتها بعد حينٍ كفلق الصبح”.
فهل بعد هذا وعد أصدق..؟ وهل بعد هذا يُقال إن الأمل بعيد..؟
كأن يوم عرفة هو موعدٌ مكتوب في دفتر السماء للحالمين، للعاشقين، للتائبين، وللذين طهروا قلوبهم من شوائب الحقد والخذلان.
كما قال الشيخ برعي اليماني:
“مَنْ نالَ مِن عرفات نظْرَةَ ساعةٍ
نالَ السُّرُورَ ونالَ كلَّ مُرادي”

يا من أحببتهم في الله
إن مررتُ يوماً في خواطركم وأنا لا أعلم، أو ذكرتموني بخير في غيابي، أو غفرتم لي زلّة، أو ضحكتم من مزحة قد لا تكون خفيفة.
فأنتم ممن أحببتهم بلا قيد، ووهبتهم عاطفتي خالصةً لله، واليوم، أقف بينكم بقلبٍ مكسوّ بالتسامح، ألتمس العفو قبل رحيل يوم عرفات.

قال سفيان الثوري في لحظة خشوع على صعيد عرفات: “أسوأ هذا الجمع من ظن أن الله لا يغفر له..!!”
فيا رب، إنا لم نأتِ بعمل، ولا بأهلية، بل أتينا بشوقٍ إليك، بحبٍ لك، بتعبٍ من ذنوبنا، فاغفر لنا، وارزقنا حج القلوب وإن فاتتنا خطوات الأقدام.

ويا من تركتَ في قلبي أثراً.
إن سامحتُك فليس ضعفاً، بل لأنني أريد أن ألقى الله وقلبي خفيف، بلا حمل، بلا وجع، بلا خصومة.
دعنا نتطهر من الداخل، كما يتطهر الحاج بثوبه الأبيض، فنتقابل على عرفات الدنيا قبل عرفات الآخرة.

في هذا اليوم، تُكتب قصائد المغفرة بمداد من الدموع.
وفي هذا اليوم تُقال أعذب الكلمات في سِرّ الدعاء، حيث لا يسمعنا إلا الله.
فيا رب أكتب لنا مع الواقفين في عرفات نصيباً من رحمتك وسكينةً لا تغادر قلوبنا أبداً.

اللهم احفظ السودان وأهله وارفع عنهم البلاء واجمع شملهم على الخير والرحمة
وأبدل خوفهم أمناً وضعفهم قوة وتفرقهم وحدة
واجعل لهم من كل همٍ فرجاً ومن كل ضيقٍ مخرجاً
وأكرمهم يا الله بسلامٍ دائم وعيشٍ كريم.

كل عام وأنتم إلى الله أقرب، وقلوبكم أنقى، ودعاؤكم مجاب.
وسامحونا، كما سامحنا، وأحِبّونا كما أحببنا.
فالحُبّ في الله أسمى درجات الطهر.

أحِبّكم في الله وموعدنا دُعاء

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *