ملكة الفاضل

ملكة الفاضل

كاتبة وروائية

• غادرنا عيادة الطبيب  في مكرم عبيد واقترحت على شفيقتي ان نتجول قليلا في المنطقة لنتعرف عليها فربما نعثر على شقة توفر علينا الكثير من المشاوير القادمة . وفعلا عبرنا الطريق للجهة المقابلة ليس بعيدا من الحديقة مترامية الاطراف  متناثرة الأضواء  وبدأنا  التجول والسؤال لنكتشف المتوقع،  فكل الشقق غير المفروشة لا يقل ايجارها كثيرا عن المفروش منها وكلها لا تتبح لك مجرد التفكير فيها  لنقنع من الغنيمة بالاياب. ونحن على اهبة المغادرة قدم الي السوبر ماركت الذي نقف أمامه مجموعة من (الوليدات)  او العيال او الشباب فكلهم يبدو في « الطاشرات» وكلهم التحف النحافة ان لم يكن الهزال وكلهم يبدو مثلنا  يقول  لجهة ما «لقد اجبرتنا على  مبارحة بيوتنا فبارحناها ومغادرة مدننا وقرانا فغادرناها، ووجهتونا بالسير في كل اتجاه فسرنا وغادرنا حتى الوطن . وها نحن هنا مثل الكثيرين غيرنا  نضرب في اصقاع الأرض كما أردتم، فمن انتم؟

 وما من مجيب حتى اللحظة .

انتبهت لأحدهم يحث الآخر على قبول زجاجة مياه معدنية احضرها له من السوبر ماركت وكان الآخر يهز راسه باصرار علامة الرفض. قلت لنفسي ربما يرفض  الماء لانه لا يريد ان يثقل على صديقه وكلاهما يعيش الظروف ذاتها. أحد أفراد المجموعة خرج من السوبر ماركت بزجاجة كولا والآخر جاء بايس كريم يدوس به على حرقة الظروف الجائرة التي أجبرتهم على الحياة بعيدا عن ديار كان لهم فيها وطن ومدرسة وجامعة ومحفل ومسجد وملعب ومغنى وعشق وانتماء وهاهم الان قد أجبروا على التخلي عن كل شيء والخروج بحثا عن كينونة كانت ولم تعد كما كانت. هم لا يعرفون ما حدث لبيوتهم واهلهم واصحابهم. وذاك الشاب الذي انكفا على هاتفه المحمول قبل أيام في مطعم يعج بابناء جلدته وهو يقرب الهاتف من عينيه تارة ومن اذنه تارة أخرى كأنه يبحث عن شيء «يطمن» ورسالة تبعث الرواء في ملامحه المجهدة.  

 في ظلمة الليل البهيم والطريق وحشة وتراب وجبال وزيفة وظلمة يقفز امامك وجهان لولدين يسالان عن مكان في السيارة ويعودا من حيث قدما حينما تبين لهما استحالة ذلك. ولولا هذه الحرب الاثمة لكانا  يستذكرا دروسهما  في فراش دافيء وبالقرب منهما (مديدة) امهما الطاعمة والليل لا  مكان فيه لوحشة او عتمة  والاحلام لها نور وبشارة. فمن صنع بهما ما صنع؟

وتابى الوجوه الشابة إلا ان تطل عليك لتؤكد ان ما حسبته  مرا هناك الأمر منه ، عندما تحمل لك الاسافير وجهين لشقيقين استشهد كلاهما وهذا مع طرف والآخر مع الطرف الآخر.  هذه الحرب الغشيمة إن وضعت اوزارها فهل يعود كل شيء كما كان؟

عذرا حبايبنا  ، ليتنا نمتلك إجابات على هذه الأسئلة المعلقة على خطوط الافق . نحن لا نمتلك سوى الأمنيات. وفي هذه اللحظة من اوائل  أيام الشهر الكريم نتمنى ان تعودوا  لتنعموا بامانيكم واحلامكم وتطلعاتكم وتلك الأوقات الرمضانية حيث تخرج الصواني تباعا من كل بيت إلى قارعة الطريق وحيث يعترض الشباب القادمين من كل شارع على اقدامهم ومن كل مكان على ظهور البصات والحافلات والسيارات ويجبرونهم على الانضمام لهم على موائدهم وحصائرهم وبروشهم وسجاجيدهم لتناول الإفطار والعصيدة بالملاح وجك الحلومر. 

حتى (الجوطة) مع الأخوات اللائي تتطاير احتجاجاتهن على العدة والمواعين التي تتكدس لحظة بعد أخرى لها طعم ونكهة مثل كل الأشياء الجميلة المحببة. عذرا حبايبنا وكل رمضان وانتم بخير.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *