عبد الحميد أحمد الحاج ( الجندي المجهول)

11
عبدالحميد الحاج
Picture of بقلم : زين العابدين الحجّاز

بقلم : زين العابدين الحجّاز

• ولد عبد الحميد أحمد الحاج عام 1921 في حي الركابية  بأم درمان  و هو من أصول دنقلاوية . تلقّى تعليمه الأولي في خلوة ود القاضي وزامله في هذه الخلوة مولانا الشيخ عوض عمر المقرئ الشهير وإمام مسجد أم درمان العتيق . في عام 1933 التحق بمدرسة الهجرة الأولية في حي الركابية ثم التحق بمعهد أم درمان العلمي عندما كان داخل مسجد أم درمان العتيق . كانت تستهويه حرفة النجارة فتعلّمها على يد أمين الشامي ثم التحق بمدرسة نجارة قاعدة القوات المسلحة في وادي سيدنا وزامله هناك الفنان إبراهيم الكاشف و لاحقا تحوّلا معا  إلى وزارة الاشغال  .  تعرّفا هناك على الشاعرين الكبيرين سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن و سمعا منهما القصائد التي سرعان ما كان يحفظها  إبراهيم الكاشف الذي اشتهر بسرعة البديهة والحفظ .

في حوالي عام 1939 عندما تقاعد من الأشغال افتتح ورشة ومعرضا لصناعة الآلات الموسيقية في أم درمان بحي الركابية على الطريق المتجه من المحطة الوسطى شرقا الى محطة  مكي ود عروسة .  كانت آلة العود تستّورد الى السودان من مصر وبعضها من الشام و لكن عبد الحميد قد وظّف مهنة النجارة في صناعة نادرة في ذلك الزمان وهي صناعة العود فأصبح السوداني الأول في هذا المجال . كان ذلك المحل الشهير ورشة ومعرضا لنماذج متعددة من آلة العود وكانت ورشة عبد الحميد الوحيدة ليس في العاصمة فقط وإنما في جميع أنحاء السودان التي تخصصت في صناعة العود حتى تلك الفترة عندما بدأ عبد الحميد عمله في هذا المجال .

ويذكر أن شقيق الموسيقار التيجاني السيوفي قد بدأ المحاولات الأولى  في تصنيع آلة العود يصحبه عبدالحميد لكنه لم يستمر فقام التيجاني بتشجيع عبدالحميد على الاستمرار في تلك الصناعة حتى حذقها . بعض الفنانين كانت لهم شهرة في مهنة النجارة أولهم إبراهيم الكاشف الذي كانت شهرته في صناعة الموبيليا الخشبية قد سبقت شهرته في الفن فكانت ورشته بالقرب من سينما برامبل يأم درمان و معرضه جوار جامع فاروق بالخرطوم  و أيضا أحمد و محمود فلاح فقد ورثا المهنة من والدهما وكمال ترباس الذى بدأ صبي نجار في محل اْحمد عطا المنان للموبيليا بمحطة مكي ود عروسة ومن العازفين عبدالعزيز قسم الله عازف الإيقاع الشهير في فرقة محمد أحمد عوض و قد تخصصت عائلته في صناعة السحارات الخشبية . كان العود يصنع صناعة كاملة  من خشب الدبكر والمهوقني  وكان سعر العود في ذلك الزمان ثلاثة جنيهات و يتم تسويق الأعواد في محلات الهندي ورتان في الخرطوم ومحلات بندة إخوان في أم درمان وعمر سوميت في الخرطوم بحري . تعتبر ورشة عبد الحميد أحد معالم أم درمان وملتقى لأهل الفن من مغنين وعازفين ومن  هؤلاء عبدالرحمن الريّح و التاج مصطفى وأحمد المصطفى وعثمان حسين . فى برنامج (زمان العود) تحدّث عبدالرحمن الريّح  عن عبدالحميد الذي علمه عزف العود  فى بداية الأربعينات عندما كان يتردد على محله وبعدها تحوّل من التلحين بالرق إلى التلحين بالعود . وتحدّث عنه التاج مصطفى بإسهاب شديد جدا كونه معلمه الذي علّمه العزف على العود  تحديدا عبر محاولة عزف أغنية (يا بنات المدرسة ) لأحمد المصطفى وهى ذات الأغنية التى تعلّم عليها عثمان حسين عزف العود . كان يعزف في المساء مع أصدقائه الفنانين كرومة و محمد أحمد سرور و إبراهيم عبد الجليل وفضل المولى زنقار وغيرهم  وقد أورد عبدالحميد هذه المعلومة في حوار أجراه معه عبد الباقي خالد عبيد في صحيفة (الوان)  قبل سنوات . تعامل معه عدد من أشهر العازفين منهم علاء الدين حمزة و بدر التهامي و حسن الخواض و برعي محمد دفع الله وسعد أحمد عمر و عزالدين علي حامد و علي مكي . ومن أبرز الفنانين الذين قدمهم للساحة محجوب عثمان و صلاح مصطفى .

وثّق له البروفيسور الفاتح الطاهر في كتاب «أنا أم درمان تاريخ الموسيقى والغناء في السودان» واصفا ورشته بدقة شديدة فقال : (على بعد مئة متر من دكان عنبر في شارع أبوروف تقع ورشة عبد الحميد الحاج لصناعة وتصليح الآلات الموسيقية التي كانت معلما بارزا يقصدها كل أهل الفن . ومن بين الذين تعلموا عزف العودعلى يده عبد الرحمن الريح وبرعي محمد دفع الله وسعدية العوادية ).

قال عنه الكاتب والمؤرخ السر اْحمد قدور في عموده «أساتذة وتلاميذ» الذي نشر سابقا في صحيفة القوات المسلحة : (هو أحد أعلام دنيا الموسيقى في السودان ومع ذلك فهو ليس صاحب شهرة عند جماهير الموسيقى والغناء ولكن صاحب شهرة كبيرة عند أهل الموسيقى والغناء . لم يكن عبد الحميد مجرد صانع لآلة العود وإنما كان رجلا فنانا وخبيرا بتاريخ الفن الغنائي السوداني وناقدا واعيا يحترم أهل الفن وما يقوله عن إنتاجهم الجديد وإذا كان هناك جندي مجهول في عالم الموسيقى فهو عبد الحميد أحمد الحاج).   

ضمت أسرة عبدالحميد أحمد الحاج العديد من المبدعين فابنته وداد عبد الحميد خريجة ومعيدة في معهد الموسيقى والمسرح سابقاً وبلجيكا حاليا وابنه نبيل عبد الحميد إلى جانب مهنته في طب الأسنان فهو عازف للعود وابنه سعد عبد الحميد في مانشستر بانجلترا عازف وملحن و مغني . 

قالت ابنته وداد عبد الحميد : (كان أبى مزدهرا لأنه عاش زمن الأزدهار وكان مدرسة موسيقية متكاملة . نعم ربما يكون مجهولا لغير سكان العاصمة المثلثة لكن سيرته العطرة راسخة في أذهان ووجدان ساكني مدينة أم درمان العريقة معقل الفنون والحضارة وقد نشأنا وتربينا في خضم هذه الجو الموسيقي النادر الذي أثّر فينا ونوّر خطانا على مر الأزمان فأصبحت هذه الآلة صديقا ملازما لكافة أفراد أسرتنا الممتدة يمتلكها العازف وغير العازف) . 

في نهاية الخمسينات كنت أمر بمحله الواقع بالقرب من النادي الأرستقراطي و عيادة طبيب العيون الدكتور الباقر إبراهيم  و ذلك شبه يومي في طريقي من والى منزلنا في محطة مكي ود عروسة بحي القلعة و عندما انتقلنا للسكن في مدينة الثورة الحارة الثانية انتقل بعدنا العم عبدالحميد و أسرته و سكن ليس بعيدا عن  منزلنا  و منزل الفنان إبراهيم الكاشف. رأيته آخر مرة في تشييع جنازة المرحوم إبراهيم الكاشف في عام 1969 و هناك في مقابر أحمد شرفي فوجىء المشيعين  بالراحل صديق الكحلاوي وهو يجهش بالبكاء ويصدح في أسى (وداعا روضتي الغنا) ليودعنا هو الآخر عام 1991  وفي عام 2006  ودّعنا  عبد الحميد أحمد الحاج … الجندي المجهول في عالم الموسيقى السودانية فطوينا الماضي في قلوبنا و عشنا على صدى الذكرى … رحمهم الله جميعا.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *