عائشة الفلاتية.. رائدة العمل الموسيقي النسوي في السودان

120
Aish 02

اشتهرت بمشاركتها في التوجيه المعنوي للجنود المحاربين في صفوف الحلفاء

Picture of نعمات مصطفى عبد الرحمن

نعمات مصطفى عبد الرحمن


• عائشة الفَلاتِيّة (1905-24 فبراير 1974)، مغنية سودانية، واحدة من أعمدة الغناء في السودان، ومن رواد الفن الموسيقي ضمن الرعيل الأول من المغنين السودانيين الذين سجلت لهم الإذاعة السودانية أغاني عند نشأتها. اشتهرت بمشاركتها في التوجيه المعنوي للجنود المحاربين في جبهات القتال في شرق أفريقيا وشمالها في صفوف الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، وتعد أيضاً إحدى رائدات العمل الموسيقي النسوي في السودان.

المولد والنشأة

ولدت عائشة الفلاتية في حي العباسية بأم درمان في عام 1922 م، واسمها بالكامل عائشة موسي أحمد إدريس، وهي هوساوية الأصل،  ولكن عرفت بالفلاتية نسبة للخلط الذي حصل في السودان بين قبائل الفولاني والهوسا والبرنو.

نشأت عائشة في بيئة دينية، فقد تعلمت في خلوة أبيها قراءة القرآن  وحفظه، وكان والدها مقرئاً للقرآن. وكانت عائشة تقرأ ولكنها لا تجيد الكتابة، لذلك كانت تحفظ الأغنيات التي تؤلفها وتلحنها بنفسها، وقد كانت سريعة الحفظ قادرة علي استيعاب التفاصيل.

حياتها الخاصة

تزوجت عائشة وهي في سن مبكرة وأنجبت ولداً، إلا أن زواجها لم يكتب له النجاح وانتهى بالطلاق، لتتفرغ عائشة تماماً لحياتها الفنية، وتكرس باقي عمرها للغناء والموسيقى. 

الحلم الذي تحقق

كانت في بداية رحلتها في مشوار الغناء والطرب تحفظ الأ غاني الخفيفة التي تؤديها فرق البنات والفنانون المحليون بالحي في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية.

وكانت تحب الغناء منذ صغرها وحفظ نصوص أغنيات كبار الفنانين في عهدها أمثال أحمد المصطفى وحسن عطية ومحمد أحمد سرور، وتقلدهم في أدائهم، كما كانت كثيرة الاستماع للأغاني من الراديو، وتمنت أن تغني في الإذاعة؛ وهو حلم تحقق لها عندما سمع عنها حسين طه زكي مراقب الإذاعة في ذلك الوقت، فأثنى عليها ووافق على تقديمها للمستمعين، وهكذا غنت عائشة لأول مرة في الإذاعة السودانية أغنية بعنوان «البلاّل تزورني». ولفت صوتها المطرب أحمد عبد الرازق، الذي وضع لحنين لأغنيتين اشترك في أدائهما معها في عمل ثنائي، وكانت الأغنية الأولى بعنوان «الريدة الريدة»، والثانية «يا جافي حرام». كما أدت عائشة الفلاتية أغنيات بالاشتراك مع الفنان عبد الحميد يوسف في أوبريت. 

رحلات إلى القاهرة

سافرت عائشة الفلاتية إلى القاهرة أكثر من مرة لتسجيل أغانيها. وعن أول رحلة لها إلى القاهرة ذكرت في مقابلة صحفية أجراها معها الصحفي السوداني رحمي محمد سليمان، أنها أدت أغنية أمام مدير شركة أسطوانات من مصر يدعى ميشان، جاء إلى السودان بحثاً عن أصوات سودانية، وكان معجباً بصوت الفنان زنقار، الذي أشار إليه بسماع أصوات مغنيات سودانيات منهن الفنانة المعروفة باسم رابحة التُمْ تُمْ، واعتذرت رابحة ليتصل ميشان بمغنيات أخريات منهن أم الحسن الشايقية، وفاطمة خميس، وميري شريف وأخيراً عائشة الهوساوية. 

وقد أعجب ميشان بصوت عائشة، وطلب أن تسافر معه إلى القاهرة لتسجيل بعض الأغناني، لكن والدها رفض ذلك بشدة، الأمر الذي أثار استياءها وحزنها؛ لرغبتها في أن تغني وتشتهر بالغناء. تقول عائشة واصفة تلك اللحظات: «بكيت وزعلت، والخواجة يترجى أبوي وقال إنه مسؤول عن أي شيء يحصل لي.. وفي النهاية الخواجة عمل معانا عقد لعشرين أغنية بستين جنيه (..) وسافرت إلى مصر (..) وأول أغنية سجلتها كانت أسطوانة (يا حنوني عليك بزيد في جنوني)». وشكلت رحلتها إلى مصر في عام 1936 م الانطلاقة الأولى لتسجيل أسطوانات أغنياتها والتي لاقت رواجاً، ورافقها في الرحلة الفنان أبو حراز، أحد أعضاء الفريق الموسيقي لأغنياتها.

لقاء السنباطي

 تلقت عائشة تشجيعاً من كثيرين، على رأسهم الشاعر السوداني بشير عبد الرحمن الذي منحها قصيدة غنائية بعنوان «البنية ست العربية». وكان من المشجعين لها أيضاً صاحب البازار السوداني كاتيفانيدس وابنه ديمتري، اللذان كانا يقومان بمهمة تسجيل أغنياتها وتوزيعها، وكان معجبوها في مصر يطلقون عليها لقب (أم كلثوم السودان). وفي مصر التقت عائشة بالفنان اللبناني فريد الأطرش والملحن المصري رياض السنباطي، الذي عرض عليها تلحين أغانيها لكنها أبلغته صعوبة أداء ألحانه لأنها تغني باللهجة السودانية. 

شهرتها إبان الحرب العالمية الثانية

اشتهرت عائشة بأداء أغنيات وأناشيد حماسية للجنود السودانيين  المحاربين في صفوف الحلفاء تحت قيادة البريطانيين. وتلقت في عام 1940م دعوة من إدارة الحكم الثنائي في السودان للسفر مع مطربين آخرين إلى مدينة أسمرا، لتقديم حفلات ترفيهية للجنود المرابطين في معسكرات خشم القربة والكيلو خمسة والكيلو ستة القريبة من تسني، وامتدت رحلاتها حتى جبهة كرن في إريتريا، حيث وقعت معارك مع القوات الإيطالية.

وطلبت منها الحكومة السفر إلى ليبيا للترفيه عن الجنود في جبهة الكفرة، لكنها اعتذرت ووعدت بالغناء للجرحى بمستشفى النهر في الخرطوم والعائدين من ميادين القتال، فكانت أغنيتا «يجوا عايدين» و«الليمون سلامته برية».

مشاركاتها في الفعاليات الرسمية

كانت عائشة كثيرة المشاركة في الاحتفالات الرسمية والمناسبات التي تقيمها الدولة في السودان وفي بلدان أخرى، فقد وجهت إليها دعوة رسمية عن طريق وزارة الإعلام النيجيرية للمشاركة في احتفالات العيد الوطني لنيجيريا، وهناك أدت أغنيات باللهجة المحلية وعلى أنغام السلم الخماسي السوداني، وتجاوب معها الجمهور النيجيري ولاقت استحساناً عاماً وقبولاً كبيراً هناك.

ظهورها في الإذاعة

ظهرت عائشة الفلاتية بصوتها في استوديوهات الإذاعة السودانية- التي كانت تقع في حي البوستة في أم درمان – عام 1945  لتقدم على الأثير أغنية بعنوان «أحبك يا مهذب»، تلتها أغنية «أحب عيونك». 

وبثت الإذاعة السودانية بعد ذلك العديد من أغنياتها ومنها أغنيات المودة، وسفر الحبيب، والبرتقال، والممنوع وصالو، ومن دار الإذاعة، وشعب السودان، وبلادي حلوة، وصباح النور، وليالي العيد، والليمون وسمسم القضارف وغيرها. 

نصوص أغانيها 

تعاملت عائشة مع عدد من الشعراء  في مقدمتهم الشاعر علي محمود التنقاري الذي كتب معظم أغانيها الشهيرة. وغنت عائشة قصائد للشعراء عبد المنعم عبد الحي، ومحمد علي أبو قطاطي، وبشير محسن، وعبد الرحمن الريح، والسر قدور وغيرهم. كما كانت عائشة تنظم وتلحن الكثير من أغنياتها، فضلاً عن أغنيات ألفت نصوصها شقيقتها. 

وتميزت أغانيها ببساطة نصوصها وعمق معانيها.  وتتركز موضوعاتها بشكل عام على الحب والشوق، إلا أن نشاطها الفني لم يقتصر علي أداء الأغنية العاطفية، فقد غنت أيضاً للمناسبات الاجتماعية كمناسبة العيد وشهر رمضان، وأنشدت الأغاني الدينية والوطنية، مثل نشيد يا بلادي، وشعب السودان يا بطل، وبلادي حلوة.

ماذا قالوا عنها؟ 

وصفها الصحفي السوداني رحمي محمد سليمان- الذي أجرى معها مقابلة صحفية عند تقديمه لها لتحدثت عن لمحات من حياتها الفنية والاجتماعية ونشاطها الموسيقي- وقال:

«عائشة الفلاتية أول سودانية تتمرد على تقاليد الحجاب وتقتحم الحياة العامة في شجاعة وجرأة قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، لتصبح مطربة مبدعة تردد الآفاق شهرتها، ثم تنجح نجاحاً منقطع النظير رغم منافسة أساطين الفن من الرجال الذين عاصرتهم، فعائشة الفلاتية سيدة ظلت إلى آخر رمق من حياتها تحتفظ في حرص بالغ على بعض معالم الربيع في قسمات وجهها الوضيئة، وهي خفيفة الدم حلوة الحديث، رقيقة الأحاسيس، لا تغيب الابتسامة الودودة من شفتيها الا لماماً، ولا تتعثر في إطلاق الدعابة الطلية المرحة في سرعة بديهة حاضرة دائماً. 

وفاتها

توفيت الفنانة عائشة الفلاتية في فبراير عام 1974 م في أم درمان.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *