• في خضمّ الفوضى التي أفرزتها الحرب وتشتّت الأسر السودانية في المنافي، وجد كثير من الطلاب أنفسهم مضطرين لمواصلة تعليمهم في فروع ومراكز جامعات سودانية أُقيمت خارج البلاد. ومع هذا الواقع الاستثنائي، جاءت تحذيرات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتدعو إلى ضرورة التأكد من حصول تلك المؤسسات على تصديق رسمي من لجنة مراكز وفروع الجامعات السودانية بالخارج.
ولم يكن البيان – كما ظن البعض – ضربًا من التضييق أو القسوة على الطلاب، بل هو في جوهره إجراء تنظيمي لحماية مستقبلهم الأكاديمي، وضمان أن تعبهم ومالهم وجهدهم لن يضيع سدى. فالمسألة ليست رفضًا أو تقييدًا، بل تأكيد على شرط أساس: أن يكون لكل فرع جامعي أو مركز تعليمي موافقة رسمية من الدولة المضيفة، قبل أن تُقرّه وزارة التعليم العالي السودانية.
وهنا يتضح ما أكّده البروفيسور أحمد موسى مضوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حين أوضح أن الهدف هو صون حقوق الطلاب، وضمان أن شهاداتهم ستكون معترفًا بها داخل السودان وخارجه. فالموافقة من الدولة المضيفة ليست مجرد ورقة شكلية، بل هي صكّ شرعية قانوني، يضمن أن عمل تلك المراكز يتسق مع نظم التعليم، وقوانين الاعتماد والجودة في البلدين.
ومن خلال هذا الإجراء، تسعى الوزارة إلى سدّ الثغرات التي تسللت منها بعض المؤسسات غير المرخصة، والتي أغرت الطلاب بالقبول المباشر دون المرور عبر إدارة القبول والتقويم، ما أدى إلى حالات مؤسفة تمثلت في عدم الاعتراف ببعض الشهادات، وحرمان خريجين من أداء الامتياز المهني، خاصة في التخصصات الطبية.
حرص الوزارة على تقنين أوضاع الفروع والمراكز، لا يعني معاقبة الطلاب الذين اضطرّوا للدراسة في الخارج، بل يعني تنظيم أوضاعهم وحماية مستقبلهم العلمي. ومن الحكمة أن تتكامل الجهود بين الوزارة والجامعات لتوفيق أوضاع هذه الفروع، بالحصول على تصديقات الدول المضيفة، حتى تظل الشهادات الصادرة عنها محلّ ثقة واعتراف رسمي.
إنّ ما قاله الوزير البروف أحمد مضوي في هذا السياق، يكشف حالة من اليقظة المؤسسية، وحرصًا على سمعة التعليم العالي السوداني، الذي ظلّ على الدوام رائدًا في محيطه العربي والأفريقي. فليس الهدف هو المنع، بل الضبط والمشروعية، وليس الغرض التضييق، بل الضمان وحماية المستقبل الأكاديمي.
وفي هذا الضوء، يصبح البيان الوزاري خطوة إصلاحية لا عقابية، ورسالة توجيهية لكل الجامعات التي أنشأت فروعًا خارج السودان، بأن تبادر لتقنين أوضاعها، حماية لطلابها وصونًا لاسمها ومكانتها العلمية.
التعليم، في نهاية الأمر، ليس سلعة عابرة، ولا مغامرة مؤقتة، بل هو رسالة ومسؤولية، ولن تُبنى الأوطان إلا حين تكون شهاداتها صادقة، ومؤسساتها مؤتمنة، وقراراتها نابعة من روح الإصلاح لا التعسّف.