
جندي تابع للجيش السوداني يجوب أسواق العاصمة الخرطوم في دورية أمنية
• على جبل قرب الحدود السودانية، يتسلق الصحفيون المنحدرات الوعرة، هواتفهم مرفوعة نحو السماء، أملاً في التقاط إشارة هزيلة من تشاد المجاورة لإرسال تقاريرهم وسط انقطاع اتصال دام عامين بسبب الحرب.
تقول «نون» (35 عاماً)، وهي صحفية مستقلة طلبت استخدام اسم مستعار لحماية نفسها، إنها اضطرت للفرار من عاصمة غرب دارفور «الجنينة» بعد تغطيتها مجازر ذات دوافع عرقية ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في 2023.
تحولت تقاريرها عن المذابح – التي يقول خبراء أمميون إنها أودت بحياة 15 ألف شخص معظمهم من قبيلة المساليت، ما أثار اتهامات بالإبادة الجماعية ضد الدعم السريع – إلى جعلها هدفاً للاضطهاد.
«اقتحموا منزل عائلتي وصادروا كل معداتي: الكاميرات وكل شيء»، تقول نون. وبعد الاقتحام الثالث، أدركت أنها يجب أن تفرّ. هربت مع عائلتها إلى ولاية القضارف شرقاً، على بعد 1800 كيلومتر. لكن حتى هناك، لم تكن في مأمن.
في الظل
بينما كانت تغطي أوضاع نازحين في مأوى، اعتقلها الجيش واتهمتها بالتعاون مع الدعم السريع، وأجبروها على توقيع تعهد بالموافقة الحكومية على كل تقرير.
وفقاً «لمراسلون بلا حدود»، فرّ أكثر من 400 صحفي من السودان منذ بدء الحرب، الذي حل ثانياً بعد غزة في قائمة «لجنة حماية الصحفيين» لأكثر الدول خطورة على العاملين في الإعلام. لكن بعضهم ما زال على الأرض، يعمل في الخفاء بلا موارد.
في بلدة «طويلة» بشمال دارفور – حيث يحتمي 180 ألف ناجٍ من هجمات الدعم السريع حسب الأمم المتحدة – يعمل المصور الصحفي إبراهيم (30 عاماً، اسم مستعار) متخفياً لتوثيق حصار الجوع والعنف.
«لا أحد يجب أن يعرف عملي»، يقول إبراهيم لوكالة فرانس برس. «إن اكتشفوا، سيعتقلونني أو يصادرون هاتفي».
في يوليو 2023، اعتقله مقاتلو الدعم السريع في الفاشر واتهموه بالتجسس لصالح الجيش. تعرض للتعذيب خمسة أيام وصودرت معداته وأمواله. منذ ذلك الحين، أرسل عائلته خارج دارفور واختبأ في «طويلة»، تاركاً كاميراته. لم يبقَ له سوى هاتفه المحمول.
«أكبر جريمة»
حتى قبل الحرب، كان السودان بيئة معادية للصحفيين، متذيلاً مؤشرات حرية الصحافة. والآن، ازداد الوضع سوءاً.
في ولاية الجزيرة (سلة غذاء السودان سابقاً)، يعتمد الصحفي المخضرم يوسف (62 عاماً، اسم مستعار) على تربية الماعز وزراعة الذرة لإعالة نفسه.
«آخر راتب تلقيته كان مطلع 2024»، يقول يوسف من مدينة ودمدني. «انتقلت صحيفتي إلى القاهرة، لكنني ما زلت أرسل لهم التقارير – عندما أجد إشارة».
قطع الاتصال بينه وبين محرريه لأشهر أثناء سيطرة الدعم السريع على المدينة. في فبراير 2024، اقتحم مقاتلون منزله.
«ربطوا يديّ، وعصّبوا عينيّ، ووضعوا قيوداً على قدميّ»، يتذكر. «لا طعام ولا مراحيض. احتجزوني ثلاثة أيام».
عندما أخبرهم أنه صحفي، رد أحد المقاتلين: «هذه أكبر جريمة».
أُطلق سراحه بعد ضمان من شيخ محلي، بشرط الإقامة الجبرية. لم يتحرر إلا بعد استعادة الجيش لودمدني في يناير.
«من سيروي القصة إن غادرنا؟»
لم يتلقَ يوسف ولا إبراهيم أي حماية من منظمات إعلامية محلية أو دولية. ومع ذلك، يواصل إبراهيم عمله، محولاً مقهى في «طويلة» – يعمل بلوحة شمسية واحدة – إلى غرفة أخبار مؤقتة.
«من سُيخبر العالم بما يحدث في دارفور إن غادرنا؟» يقول إبراهيم لفرانس برس، منحنياً لشحن هاتفه بسلك مكتظ بالأجهزة. «لا أحد سيروي هذه القصص. لا أحد يتخيل الفظائع هنا».
نقلاً عن وكالة فرانس برس
شارك التقرير