• في وضح النهار، تحت أشعة شمس قاسية كقلوبهم، وقفت مليشيا الدعم السريع أمام واحدة من أبشع مشاهد العار في تاريخها المضمخ بالدماء. إحدى وثلاثون روحاً بريئة، عزلت من كل شيء إلا من كرامتها، جرّدت من ملابسها كما جرّدت من حقها في الحياة، وحشرت كالأغنام أمام بنادق جلاديها. ثم، بقلوب متحجرة لا تعرف الرحمة، ولا تخشى عقوبة السماء، أفرغوا رصاص حقدهم في صدور العُزّل، وكأنهم ينكرون إنسانيتهم قبل أن يقتلوا ضحاياهم. ما حدث في صالحة لم يكن خطأً عابراً، ولا “اشتباكات” كما يحلو لقادة هذه المليشيا أن يسمّوها. إنها جريمة مكتملة الأركان، خططت لها أيادٍ قذرة، ونفذتها بنادق طالما اختارت أهدافاً سهلة. مدنيون لا حول لهم ولا قوة، أطفالٌ وشيوخ، بينما تفرّ تلك المليشيا من مواجهة الجيش النظامي، وتختار أن تثبت بسالتها على أجساد الأبرياء. إنهم يتبجحون بجرائمهم، ويتغنون بـ”انتصارات” وهمية، بينما حقيقتهم لا تعدو كونهم سارقي أرواح، سفاحي دروب. فأي نصر هذا الذي يُكتَب بدماء المواطنين الأبرياء؟ وأي فخر يُدَّعى عندما تكون البطولة في قتل العُزَّل؟ إن التاريخ لن يذكرهم إلا كأدوات قتلٍ ودمار وتخريب، ولن ينسى العالم كيف حوّلوا مناطق مُسالمة إلى مقابر جماعية. قادة الدعم السريع ينكرون اليوم، كما ينكر كل مجرمٍ عندما يُفضح أمره. لكن الأرض شاهدة، والسماء لم تُغمض عينها عن أنين الأبرياء. الدماء التي سالت في صالحة لن تجف قبل أن تُفضح كل يدٍ شاركت في الجريمة، وكل لسانٍ كذب لتبريرها. صالحة كغيرها، لم تمت، بل صارت جرحاً نازفاً في ضمير الأمة، وصوتاً يصرخ: “لا تنسوا من أزهق أرواحنا”. ولو طال الزمن، فإنَّ العدالة ستأتي ذات يوم، لأنَّ دماء الأبرياء ليست رقماً يُضاف إلى إحصاءات الحرب، بل هي وقود ثورة الضمائر. كيف يرعوي أولئك الذين يحسبون أن القتل يُكسبهم مجداً، أو أن التعتيم يُبقي جرائمهم خفية؟ فالأرض لا تخون أبناءها، والسماء لا تُسقط شهادتها. وصالحة، بكل براءة أطفالها، وشجاعة شيوخها، وصرخات نسائها، ستظل تُذكِّر العالم بأنَّ المجزرة ليست فعلاً عابراً، وإنما وصمة عارٍ في جبين من دبرها، ومن نفذها، ومن يسكت عنها. لترفع عالياً أرواح الشهداء، وليُكتب في سفر الخزي أسماء القتلة. فالعدالة قد تتأخر، لكنها لا تُغيب أبداً.