د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• تعدُّ منطقة جبال النوبة من أميز المناطق السياحية في السودان، فهي جبال خضراء تحفها السهول، وتزينها الأزهار والأشجار، وتغسلها الأمطار، فتبدو لوحة في غاية الجمال. 

الجبال بوصفها هذا، ألهمت الكثير من الشعراء من أبناء المنطقة، وانبهر بها كثير من أبناء السودان القادمين إليها من بقية المناطق، فكتبوا فيها شعراً جميلاً، ظل حبيس الأدراج ولم ينشر بدرجة كبيرة، ولعمري كان يفترض أن يضمن هذا الشعر في المقرر المدرسي، حتى تعرف الأجيال مقدار جمال بلادها.. 

من الشعراء الذين كتبوا وأبدعوا الشاعر توفيق صالح جبريل، الذي عمل في مدينة  رشاد (رئاسة مجلس ريفي تقلي)، وأقام فيها فترة من الزمن، وكتب قصيدته المشهورة متغزلاً في جبل رشاد، يقول فيها:

بشعري أنت يا ابن البيد أحرى 

  جمالك هزني طرباً وأغرى

وقفت عليك والإبداع حولي    

  يحرك شاعراً ليقول شعرا

وقبلك كنت قد حطمت عودي  

وأسكت النواطق منه قهرا

فمالي أراك ترجع لي حنيني   

  وتوقظ لي هوى وتعيد ذكرى

وقفت كراهب في البيد يتلو   

  وقد شخصت له الأبصار حيرى

وأسكرت السهول وما عليها    

كأنك عاصر في البيد خمرا

خلفت على السهول زهور شتى 

ملونة وأنت لبست حمرا

وقد صاغت لك الأشجار تاجاً  

فريد الصنع يفضل تاج كسرى

وقفت عليك خضراً ناضرات  

   لبسن الحلي أوراقاً وزهرا

تخال قطيع وحش أحسَّ شيئاً  

فمدَّ رقابه خوفاً وذعرا

وأرهف سمعه في البيد يصغي 

  ليكشف في ثنايا البيد أمرا

متى ما مرَّ النسيم أذاع نصاً  

ما زلن طي الغيب سترا

تعانق غصن تلك وغصن هاذي  

كعربيد يطوق جيد سكرى

وثالثة وإن أبدت حياءً   

  تخال لحاله الصبين غيرى

أقام الطير أعراساً عليها   

وكوَّن فوقها عشاً ووكرا

وإبداع الطبيعة فيك يبدو 

  جلياً يملأ الألباب سحرا

تحجب لحسنها عن كل عين 

  وكنت لحسنها المخبوء وكرا

وكم طلعت عليك الشمس حتى  

   سئمت طلوعها عداً وحصرا

تلوذ بظهرك الواقي مساءً    

وتلثم كفك الجبار فجرا

وكم سكبت أشعتها حياءً  

عليك وألبست عطريك تبرا

طلعن مع الصباح عليك بيضاً 

وحين وقفن خلفك عدن صفرا

تمرُّ بك السنون وأنت باقٍ 

تشيّع بعدها أخرى وأخرى

وكفك ظلّ بالأجيال يلهو  

  ويعمل بيننا طياً ونشرا

فقم حدث فديتك عن زمان

   تخبط واصفوه وأنت أدرى

وقصّ عليّ أخبار الليالي  

وهات لغابر الأزمان ذكرى 

وتوفيق صالح جبريل المولود في جزيرة مقاصر بدنقلا عام ١٨٩٧م، والذي نشأ وترعرع في أم درمان، وعمل إدارياً في معظم مناحي السودان. 

هذا الأمدرماني توفيق ابن ضفاف النيلين، وقف مشدوهاً أمام هذا الجبل، ليرتل الحب تسابيح، وينظم أجمل القصائد في حضرة ذلك الجمال. 

وما بين أم درمان وجنوب كردفان دائماً حكاوي لا تنتهي، وعشق سطره التاريخ، وقصائد لم تقرأ بعد، وقصص لم تروَ، فعندما ينزل الغيث علينا سلاماً، ويزول غبار السياسة، سنعيد اكتشاف أنفسنا من جديد، وسنعرف مقدار الحب الذي نكنه لبعضنا بعضاً   ولبلادنا، والذي حجبه دخان السياسة، وسنفهم  أن الثقافة هي الجسر الذي ربط الشعوب السودانية، وسنغني (كل أجزائه لنا وطن).. والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *