سبل كسب العيش فى السودان

88
عبدالرحمن علي طه
Picture of بقلم: زين العابدين الحجاز

بقلم: زين العابدين الحجاز

• في منتصف الثلاثينيات الاْستاذ عبد الرحمن علي طه كتب مع اْساتذة آخرين في بخت الرضا كتابا عن الجغرافيا اسمه (سبل كسب العيش في السودان) لكي يتم تدريسه لتلاميذ  السنة الرابعة بالمدارس الأولية وموضوعه عبارة عن زيارات حقيقية قام بها نفر من أساتذة معهد بخت الرضا إلى مناطق شملت شمال وجنوب وشرق وغرب البلاد.  قام  بتلك الرحلات كل من الأساتذة  مكي عباس والنور إبراهيم والشيخ مصطفى وعبد العزيز عمر الأمين وعبد الحكيم جميل وأحمد إبراهيم فزع وعبد الرحمن علي طه وعثمان محجوب وسر الختم الخليفة ومستر ومسز جونسون سميث و قد قام بمهمة اختيار المادة وإخراج الكتاب في وضعه النهائي وترجمته وكتابته مرة ثانية إعدادا للطبع كل من مستر قريفث وعبد الرحمن علي طه وأحمد إبراهيم فزع ومحمد مصطفى عبد الواحد.

الأصدقاء و الأماكن التي تمت زيارتها :

صديق عبد الرحيم محمد الأمين/ القولد

محمد القرشي الحسن/ ريرة

سليمان محمد عثمان/ الجفيل 

محمد ود الفضل / كيلك / بابنوسة

منقو زمبيري / يامبيو

حاج طاهر علي / محمد قول

أحمد محمد صالح / ود سلفاب

إدريس إبراهيم / أم درمان 

عبد الحميد إبراهيم / عطبرة / بورتسودان

قصيدة سبل كسب 

العيش في السودان

المؤلف : عبد الرحمن علي طه

فى القولد التقيت بالصدّيق

أنعم به من فاضل صديق

خرجت أمشى معه للساقية

ويا لها من ذكريات باقية

فكم أكلت معه الكابيدا

وكم سمعت آور أو ألودا

ودعته والأهل والعشيرة

ثم قصدت من هناك ريرة

نزلتها والقرشي مضيفي

وكان ذاك فى أوان الصيف

وجدته يسقي جموع الإبل

من ماء بئر جرّه بالعجل

ومن هناك قمت للجفيل

ذات الهشاب النضر الجميل

وكان سفري وقت الحصاد

فسـرت مع رفيقي للبلاد

ومرّ بي فيها سليمان على

مختلف المحصول بالحب إمتلا

ومرّةً بارحت دار أهـلي

لكي أزور صاحبى ابن الفضل

ألفيته وأهله قد رحلوا

من كيلك وفى الفضـاء نزلوا

فى بقعة تسمى بابنوسة

حيث اتّقوا ذبابة تعيسة

ما زلت فى رحلاتي السعيدة

حتى وصلت يامبيو البعيدة

منطقة غزيرة الاْشجار

لما بها من كثرة الأمطار

قدّم لى منقو طعـام البفرة

وهو لذيذ كطعام الكسـرة

وبعدها استمر بي رحيلي

حتى نزلت في محمد قول

وجدت فيها صاحبي حاج طاهر

وهو فتى بفن الصيد ماهر

ذهبت معه مرّةً للبحر

وذقت ماء لا كماء النهر

رحلت من قول لود سلفاب

لألتقي بسابع الأصحاب

وصلته والقطن فى الحقل نضر

يروى من الخزان لا من المطر

أعجبني من أحمد التفكير

فى كل ما يقوله الخبير

ولست أنسى بلدة أم درمان

وما بها من كثرة السكان

إذا مرّ بي إدريس في المدينة

ويا لها من فرصة ثمينة

شاهدت أكداساً من البضائع

وزمرا من مشتر وبائع

وآخر الرحلات كانت أتبرة

حيث ركبت من هناك القاطرة

سرت بها فى سفر سعيد

وكان سائقي عبد الحميد

أُعجبت من تنفيذه الأوامر

بدقة ليسلم المسافر

كل له في عيشه طريقة

ما كنت عنها أعرف الحقيقة

ولا أشك أن فى بلادي

ما يستحق الدرس باجتهاد

فإبشر إذن يا وطني المفدّى

بالسعي مني كي تنال المجد

كتب مكي أبو قرجة عن هذة القصيدة :

« ظلت حناجر الأطفال الغضة لأكثر من خمسين عاما تردد نشيدا شجيا في كل المدن والقرى والبوادي السودانية بحماس وغبطة وحبور في آخر كل حصة لمادة الجغرافيا في السنة الثالثة بالمدارس الاْولية. كان هذا النشيد الذي شدّ نياط القلوب بأوتار لا ترتخي بكل بقاع الوطن من القولد حتى يامبيو ومن محمد قول حتى بابنوسة وفعل في النفوس فعل السحر. ولا يزال يتوهج فينا نحن الكبار بعد مرور عشرات السنين ويبعث حنينا وروحا وطنية متأججة في كل الأجيال .  كان هذا النشيد قد ألّفه التربوي المؤسس والأديب الشاعر الأستاذ عبد الرحمن علي طه الذي حمل عبء تربية النشء في السودان الحديث هو وكوكبة من المعلمين الأفذاذ «

وصديق هو صديق عبد الرحيم التلميذ محور الزيارة إلى القولد. تعلقت وارتبطت به أفئدة التلاميذ الذين ارتبطوا به من خلال الزيارة وتخرجوا وتفرقت بهم سبل الحياة والعمل . توفي صديق في عام 1998 بالولايات المتحدة الأمريكية بعد أن هجر السودان واستقر هناك . وكتب عن ذلك محمد سعيد شلي قائلا : « علمت بحزن عميق وأسف بالغ بنبأ وفاة العم صديق عبد الرحيم صديقنا في القولد الذي أكلنا معه الكابيدة وأسمعنا كلمات طيبة من رطانة أهله. 

وصديق عبد الرحيم ذلك المواطن السوداني البسيط دخل عالم الشهرة وسِجِل التاريخ بفضل يرجع للأستاذ عبد الرحمن علي طه الذي أسندت إليه مهمة الإشراف على شعبة الجغرافيا والتربية الوطنية خلال عمله في معهد بخت الرضا فعمل مع نخبة من الأساتذة الأجلاء على تأليف كتاب (سبل كسب العيش في السودان). 

أستطيع أن أقول بكل فخر  و اعتزاز اْن الاْستاذ عبد الرحمن على طه بقصيدته هذه قد اْدخل الجغرافيا من باب الاْدب وقد نما الى علمي أن أحد العاملين المغمورين فى معهد بخت الرضا قد صاغ هذه القصيدة فى لحن شجي بسيط ظلّ يتردد فى مسامعنا حتى الآن منذ سنوات طويلة قد خلت .

يبدو أن المستر قريفيث البريطاني مقرر لجنة انشاء  معهد لتدريب     المعلمين والذى عمل سابقا في الهند قد تأثر بفلسفة غاندي التربوية     ذات الطابع الريفي لذلك كانت من توجهات اللجنة إنشاء معهد بمنطقة ريفية  فقام قريفيث بالاتصال بمديري المديريات لتسهيل مهمته ولكنه  لم يجد الموافقة إلا من مدير مديرية الدويم حيث منحه قطعة أرض    شمال الدويم وهو مكان معهد بخت الرضا الحالي وأعانه فى عملية بناء المعهد .

واسم بخت الرضا كان لامرأة تسكن في تلك المنطقة وتقوم بحراسة مخازن الذرة (مطامير العيش) صادفها قريفيث أثناء بحثه لتحديد موقع بناء المعهد لذلك سمي بمعهد بخت الرضا تيمنا بها. في السنة الرابعة بمدرسة الأساس الاولية في حي الركابية بأم درمان  درّسونا كتاب (سبل كسب العيش في السودان) الذي حوى معلومات   قيمة عن المناطق التي زارها الأساتذة الأجلاء مصحوبة ببعض الرسومات التوضيحية و كنا نحفظ كلمات القصيدة التي نظمها الأستاذ عبد الرحمن علي طه و نرددها باللحن . 

وأود هنا أن أذكر ما أعرفه عن بعض هؤلاء  الأساتذة الأجلاء و كلهم من رواد التعليم :  الأستاذ عبد الرحمن علي طه هو أول من أصبح فيما بعد وزيرا للمعارف. الأستاذ مكي عباس هو أول محافظ لمشروع الجزيرة بعد الاستقلال 

الأستاذ سر الختم الخليفة كان رئيس وزراء حكومة أكتوبر. الأستاذ أحمد ابراهيم فزع كان مرجعا في مادة الجغرافيا وقد سكن حي الموردة مع عمه محمد فزع بعد أن تزوج من ابنته. 

والأستاذ  هو ابن عم الفنان عبد الدافع عثمان و اسمه الكامل عبد الدافع عثمان فزع . 

الأستاذ عثمان محجوب كان ناظرنا في مدرسة الاْحفاد الوسطى اْوائل الستينات .

الاْستاذ النور ابراهيم « اْمير شعراء الكتيبة « كان ناظرنا في مدرسة  اْم درمان الاْهلية الثانوية عام 64  .

الشكر  موصول الى البروفسير فدوى عبدالرحمن على طه التي اْتاحت لنا الكثير من المعلومات عن هذا السفر الرائع .

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *