«زراعة الأعضاء»… هل يمكن أن تعيش بذكريات ومشاعر الراحلين؟

8
زراعة الأعضاء

السينما قدمت قصصاً أثارت الرعب وتقارير طبية تفسر الظاهرة بنظريات خاصة   

لم يحسم العلم الجدل حول انتقال المشاعر والذكريات والعادات والصفات في حالة زراعة الأعضاء، ولكن استغلت السينما تلك المنطقة الرمادية الثرية ونسجت من الخيال أعمالاً شديدة الجاذبية والسحر مثل أفلام ، the eye ،the heart knows ، I want to believe ، 21 grams،  the criminal، self/less.

عندما يضطر شخص لظروف صحية زراعة عضو من متبرع أو متوفٍ سواء كان قلباً أو عيناً أو كلى قد يمنحه القدر فرصة جديدة للحياة ولكن هل تنتقل صفات المتبرع وعاداته وذكرياته ومشاعره للشخص الجديد؟ أسئلة تثير الجدل دائماً مع كل عمل فني يتناول الفكرة، أو مع كل حكاية يقصها شخص عاش التجربة على أرض الواقع.

منطقة رمادية

لم يحسم العلم الجدل حول انتقال المشاعر والذكريات والعادات والصفات في حالة زراعة الأعضاء، ولكن استغلت السينما تلك المنطقة الرمادية الثرية ونسجت من الخيال أعمالاً شديدة الجاذبية والسحر مثل أفلام ، the eye ،the heart knows ، I want to believe ، 21 grams،  the criminal، self/less.

القلب يعرف

ومن أحدث الأفلام التي تناولت نقل الأعضاء ومدى تأثير صفات ومشاعر المتبرع على الشخص الآخر فيلم “القلب يعرف”، والذي يعرض حالياً على منصة “نتفليكس”.

فيلم القلب يعرف ينحاز لفكرة أن زراعة الأعضاء تنقل ذكريات ومشاعر الموتى للأحياء (مواقع التواصل الإجتماعي)

فيلم “القلب يعرف” ينحاز لفكرة أن زراعة الأعضاء تنقل ذكريات ومشاعر الموتى للأحياء (موقع الفيلم)

ويدور العمل حول “خوان” الرجل الأربعيني الثري الذي لا يعترف بالحب والمشاعر، ويعيش حياة فارهة صاخبة خالية من الصدق والعلاقات الحقيقية، ويتعرض خوان لأزمة صحية مفاجئة يكتشف بسببها وجود مرض خطير بالقلب يهدد حياته وعليه أن يقوم بزراعة قلب بأسرع وقت.

وفي الوقت ذاته يتعرض رجل فقير يدعى بيدرو لحادث سير فيتوفى ويتم نقل القلب لخوان من دون أن يعرف هوية المتوفى أو كيفية التبرع.

تتغير شخصية خوان بعد عملية زراعة القلب فيشعر أنه شخص آخر أكثر بساطة وهدوء ولا يهتم بأمور الحياة المزيفة والمال والسهرات والعشيقات كما كان.

يثير هذا التغير فضول خوان ويربط بين ما يشعر به وتوقيت زراعة القلب الغريب، ويقوده شغف غريب لمعرفة هوية الشخص صاحب القلب، ويعرف أنه رجل فقير له ابن وزوجة وأسرة تقطن حياً فقيًرا جداً.

يحاول خوان تتبع مشاعره ورغبته في فهم ما يجرى داخل صدره من أحاسيس غير مبررة فيذهب متنكراً للحي الذي كان بيدرو وعائلته يعيشون فيه، ويتعرف إلى أرملته فاليريا وابنه وأصدقاءه، وتتوالى الأحداث لتربط المواقف الإنسانية بين خوان وبين البسطاء في الحي.

تحرك مشاعر خوان إجبارياً نحو الأرملة الجميلة وابن بيدرو، وكأن قلب بيدرو يحرك مشاعر خوان نحوهما.

تتصاعد الأحداث عندما يكتشف خوان أن شركته العقارية تخطط لطرد عائلة بيدرو وسكان المنطقة من الحي الفقير الذي يعيشون فيه من أجل تنفيذ مشروع استثماري كبير، وهنا تكتشف فاليريا شخصية خوان الحقيقية وأنه ليس الرجل البسيط الفقير الذي أحبته، وتتغير شخصية خوان تماماً ويضطر للاختيار بين الحياة الفارهة الزائفة وبين الانتصار للفقراء ومن بينهم حبيبة بيدرو صاحب القلب الذي يحركه.

وعلى رغم أن الفيلم رومانسي ولا يحمل الكثير من الفلسفة والتعقيدات لكنه يضاف للأفلام التي فتحت باب الجدل حول انتقال المشاعر من المتبرع للمتلقي في عمليات نقل الأعضاء، وهل هي حقيقية أم مجرد خيال سينمائي وفني يبالغ كثيراً حتى يخرج بحكاية مثيرة وعاطفية تشعل العواطف والحماسة؟

منعدم الكيان

ومن الأفلام المهمة التي تناولت نقل الأعضاء فيلم بطولة ريان رينولدز وهو self/less.

ريان رينولدز في مشهد من فيلم منعدم الكيان ولعب دور شاب تبرع بجسده لرجل ثري (مواقع التواصل الإجتماعي)

ريان رينولدز في مشهد من فيلم “منعدم الكيان” ولعب دور شاب تبرع بجسده لرجل ثري (موقع الفيلم)

وتدور أحداث فيلم “منعدم الكيان” حول “داميان” وهو رجل مُسن فاحش الثراء توشك حياته على الانتهاء بسبب إصابته بالسرطان، وبأمواله الطائلة يصل لشركة تنقل عقله إلى جسد إنسان صحيح معافى تماماً حيث تعمل الشركة على استقطاب الشباب للتبرع بأجسادهم وبيعها بأسعار خيالية.

تنجح عملية داميان ويعيش في جسد شخص جديد شاب وهو ريان رينولدز.

وبعد أيام يكتشف داميان أنه يتغير كثيراً في كل شيء، ويؤرقه حلم واحد يحاول الوصول لمعناه حيث يرى بناية وطفلة وامرأة بشكل يومي في خياله من دون أن يعرف تفاصيل عنهما.

يحاول داميان الوصول للحقيقة ولكن يعوقه سرية معلومات الشركة وعدم إمكانية معرفة هوية المتبرع، وعن طريق اتباع إحساس جسده الجديد يصل داميان لحقيقة الشخص المتبرع، والأسباب التي دفعت شاباً وسيماً للتفريط في حياته وجسده بهذه الطريقة.

وتتطور الأمور فيرتبط داميان بجسده الجديد بعائلة المتبرع، وتجمع المشاعر بينه وبين زوجة وابنة رينولدز.

رحلة تعقب

وفي فيلم “المجرم” يقوم ريان رينولدز بدور بيل بوب وهو عميل في الاستخبارات الأميركية، يتوجه في رحلة إلى لندن لتعقب مخترق حواسيب يدعى “الهولندي”، لكنه يُقتل بعد كمين ينصب له، وتجرى عملية تجريبية تهدف إلى نقل ذاكرته داخل مخ مجرم مدان يدعى جيريكو ستيوارت وقام بدوره كيفين كوستنر.

كيفين كوستنر في فيلم مجرم الذي نقل اليه جزء من عقل عميل استخبارات (مواقع التواصل الإجتماعي)

كيفين كوستنر في فيلم “مجرم” بدور “جيريكو” الذي نقل اليه جزء من عقل عميل استخبارات (موقع الفيلم)

تنجح العملية، وتحاول الاستخبارات استخدام ذاكرة العميل الراحل بعد تشغيلها في جسد جديد، لكن تتجه مشاعر المجرم الذي نقل له عقل العميل نحو أسرة الشاب ويتذكر كل شيء يخص طفلته وزوجته، ويحاول أن يبدأ حياة جديدة معهما، لكن تحاول الجهات المسؤولة دفعه لتنفيذ المهمة الأساسية له حتى ولو على حساب الزوجة والطفلة، فينحاز الرجل نحو الأسرة وينفذ العملية بشكل آخر.

عيون سيدني

ومن أفضل أدوار النجمة جيسيكا ألبا فيلم بعنوان “العين”، وتناولت فيه زراعة الأعضاء وتأثيرها في مشاعر الشخص ومدى قدرتها على تغييره

ودارت الأحداث حول سيدني وهي عازفة كمان شابة تفقد بصرها وهي في الخامسة من عمرها نتيجة حادث ضخم، وتحاول الشابة الجميلة إيجاد حلول لزرع قرنية جديدة تعيدها للحياة الطبيعية.

شابة فاقدة البصر تتلقي تبرعا بالقرنية فتنقلب حياتها وتقودها روح المتبرعة لكشف أسرار مقتلها في فيلم العين (مواقع التواصل الأجتماعي)

شابة فاقدة البصر تتلقي تبرعا بالقرنية فتنقلب حياتها وتقودها روح المتبرعة لكشف أسرار مقتلها في فيلم “العين” (موقع الفيلم)

وينجح الأطباء في إيجاد متبرعة بالقرنية وتجري سيدني الجراحة بنجاح كبير على المستوى الطبي.

وبعد أيام تستطيع الرؤية بشكل طبيعي لكنها تعاني من رؤية أشباح وأشخاص لا تفهم سبب ظهورهم لها، وتحاول سيدني معرفة الحقيقة وتشعر أن عيون المتبرعة لديها قصة مهمة تريد أن يتم الكشف عنها.

وتتجه سيدني إلى المكسيك حيث كان تعيش آنا كريستينا الفتاة المكسيكية التي ماتت منتحرة وتبرعوا بقرنيتها، وتقود رؤى غامضة سيدني نحو أسرار كثيرة تغير مسار الأحداث، وتكشف عن لغز وفاة كريستينا.

وعلى رغم أن الفيلم يعتمد على الخيال ولا أساس علمياً لفكرة أن يشاهد الشخص الذي زرعت له قرنية المشاهد المؤلمة أو تفاصيل وفاة الشخص المتبرع، لكن العمل أثار الجدل وأعرب بعض المنتظرين لزراعة قرنية خوفهم من العملية بعد العلم بمحتوى الفيلم.

وفي السينما المصرية تم تناول موضوع نقل الأعضاء بشكل كوميدي مثل فيلم “قلب أمه” بطولة هشام ماجد وشيكو ودلال عبد العزيز.

وتدور أحداثه حول نقل قلب سيدة لرجل عصابات شهير يدعى مجدي تختوخ، وبعد الجراحة تتجه مشاعر تختوخ ليونس ابن السيدة المتوفاة صاحبة القلب المزروع.

وتتصاعد المواقف الكوميدية عندما يتصرف رجل العصابات مع يونس بشكل يغلب عليه طابع الأمومة بشكل تام.

حدث بالفعل

وعلى رغم الإنتاج السينمائي والفني والأعمال التي تناولت نقل الأعضاء وتأثيراتها النفسية وما تحدثه من تغيرات عاطفية وذكريات، لم يحسم العلم بشكل تام صحة ما تم تناوله في السينما بكل ما يحمله من خيال خصب.

ولكن على جانب آخر ظهرت دراسات علمية متعددة أكدت صحة بعض ما يتردد ووردت تقارير عبر موقع

Psychologytoday ذكرت أن هناك أدلة بحثية تؤكد أن متلقي زراعة الأعضاء قد يظهرون علامات تغير في الشخصية، ولكن لا يوجد دليل قاطع على انتقال المشاعر نفسها.

وأبلغ العديد من المرضى عن حدوث تغيرات في الشخصية بعد الجراحة، وشملت هذه التغييرات تفضيلات الطعام، والعلاقة الحميمة، وحتى الأنشطة المهنية.

ومن ضمن قصص المتلقين لأعضاء من متبرعين ما رواه رجل أربعيني قال إنه تلقى قلباً من شاب عمره 17 سنة، وبعدها صار مهووساً بالموسيقى الكلاسيكية التي لم يكن يعرف عنها شيئاً، لدرجة أن صار يعرف أسماء المقطوعات التي لم يسمعها في حياته، وتبين أن الشاب المتوفى صاحب العضو المزروع كان عازفاً للموسيقى وعاشقاً للموسيقى الكلاسيكية.

وذكرت امرأة أنها بعد نقل أحد الأعضاء لها أصبحت مغرمة بشرب نوع معين من الكحول إضافة لتناول الدجاج بطريقة معينة، وعندما بحثت عن السبب اكتشفت أن الشاب المتوفى الذي حصلت على قلبه كان الدجاج والبيرة من عاداته الغذائية المفضلة.

وكشف أستاذ جامعي أنه زرع عضواً حصل عليه من ضابط شرطة توفي أثناء تبادل إطلاق نار مع مجموعة إجرامية، ومنذ نقل العضو يرى الرجل تفاصيل من الحادث الذي توفي خلاله الضابط، وتهاجمه ومضات من الضوء لا يعرف معناها، وبعد التحري علم أن الضابط توفي بعد رصاصة في الوجه.

بصمات نفسية

وأثارت مثل هذه الحكايات المزيد من الغموض والحيرة حول قدرة الأعضاء على حمل وظائف فسيولوجية وبصمات نفسية من المتبرع للمتلقي.

وذكرت أبحاث علمية أن هناك فرضية لتفسير مثل هذه التغيرات في الشخصية، وهي مفهوم الذاكرة الخلوية والتي تعني أن أعضاء المتبرع قد تحتفظ ببعض أشكال الذاكرة أو المعلومات المشفرة في خلاياها، بما في ذلك القدرة على تخزين ونقل الإشارات.

وأكدت بعض الدراسات أن الجهاز المناعي نفسه يتمتع بقدرات الذاكرة، وقد تتفاعل خلايا المتبرع مع خلايا المناعة لدى المتلقي بطرق تؤثر في السلوك أو الإدراك، بخاصة إذا كانت خلايا المتبرع تحمل معلومات حول تجارب أو تفضيلات.

ذاكرة الماء

وأثبت العالم الحائز على جائزة نوبل لوك مونتانييه أن الماء لديه القدرة على تشفير وتخزين المعلومات، وهذا يشير إلى أن الماء في الأعضاء المزروعة قد ينقل المعلومات من المتبرعين إلى المتلقين.

وكشف أن القلب يرتبط بشكل شائع بتغيرات الشخصية حيث تفرز حجرات القلب هرمونات “الببتيد” والتي تساعد على تنظيم توازن السوائل في الجسم عن طريق التأثير على الكلى، لذا فإن العضو المتبرع الذي قد يكون لديه مستوى أساسي مختلف من الهرمونات وإنتاج الببتيد عن العضو الأصلي، يمكن أن يغير مزاج المتلقي وشخصيته من خلال المواد التي يطلقها.

الذكريات المخزنة

وأشارت بعض الدراسات أن الجسم يقوم بتخزين الذكريات في الدماغ، وهي في الأساس عمليات كيماوية عصبية حيث تنقل الأعصاب النبضات بعضها لبعض وتتبادل المواد الكيماوية المتخصصة عن طريق الناقلات العصبية بينها.

وأثناء جراحة زرع الأعضاء يتم قطع العديد من الأعصاب التي تحكم وظيفة العضو ولا يمكن إعادة ربطها، لكن الأعصاب الموجودة داخل العضو تظل تعمل.

أما الأعصاب الأخرى فهناك أدلة على إمكانية استعادتها جزئياً بعد عام من الجراحة.

وهذه التفاعلات الكيماوية العصبية يمكن أن تغذي الجهاز العصبي للمتلقي، وتحدث استجابة فسيولوجية تؤثر بعد ذلك في شخصية المتلقي وفقاً لذكريات المتبرع.

حسم العلماء الجدل بدراسة كشفت أنه بعد عامين من الزرع يتم العثور على خلايا من المتبرع منتشرة في جسم المتلقي، كذلك يتواجد بوضوح الحمض النووي للمتبرع في جسم المتلقي، وهذا يؤكد تفاعل العضو المزروع بذكريات وصفات وعادات صاحبه مع الشخص المتلقي وفق العديد من الأدلة التي قد تتفاوت قوة تأثيرها من شخص إلى آخر.

INDEBENDENT

شارك التقرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *