رواية «سيدة المقام»: الفن في مواجهة الخراب

354
واسيني الأعرج
Picture of محمد بوزرواطة - الجزائر

محمد بوزرواطة - الجزائر

• حينما كتب الرو ائي الجزائري واسيني الأعرج(1954)، روايته « سيدة المقام»  وَنُشِرَت عن دار الجمل بألمانيا عام1995،بعد أن امتنعَتِ الكثيرُ من دُورِ النشر على طَبعِها، بِمَا في ذلك دار الآداب اللبنانية التي أزمعَت على نشرها باتفاق مع المؤلف، لكنَّها أحجمَت بعد ذلك، وأرجَأَت أمرَ صدورها إلى وقتٍ لاحقٍ ، خوفاً على حياة صاحبها من القتل في تلك الأوقات العصيبة  التي طبعتْها مشاهد الذبح  والمجازر والاغتيالات.

في تلك المرحلة الحرِجة عاش واسيني  مُتخفيأ من مكان لأخروهو على الأعصاب، يَعُدُ أيامه الأخيرة في سِباق مرير مع  الموت الوشيك، لقد كان هَمُه الأساسي ،إتمام الرواية قبل أن يضعَ الظَّلاميون حَداً لحياته،برصاصاتهم الغادرة، لذا جاءت هذه الرواية أشبه بالصرخة الأخيرة وَسطَ الظلام، وقد انطوت على موقف صارم ومبدئي إزَاءَ  مَا يحدث لِبلده ِوقد  تَناهَبتْه ُ عصابات المافيا والإرهاب  الهمجي ممَّن أسْمَاهُم في الرواية «بني كلبون» و»حراس النوايا « الذين حوَّلُوا البلد الى حطام.

لكن الأجمل وبالرُغم  من فجائعية الرواية وسَودوِيتَها على حَدِ قول الناقد المغربي محمد معتصم ، إلاَّ أنَّ ثمَّة بصيصًا من الأمل  ،بدأَ يتسرَّب إلى تضاعيف الرواية،في فصولها الأخيرة، حينما ينتبِهُ « الكاتب»  لدورالفنان والمُغني الشعبي  القدير «عبد المجيد مسكود» رافعاً  له  قبعة التحية  والإجلال – وقد ذكَره بالاسم- ،نظيرَ صموده وسط كل هذا الخراب الحاصل  والكأبة المتفشية.

 وَحدَهَا أغنية «مسكود» « وِينْكم ياسامعين.. نَاس البهجة وِين» ظَلت تُرمِم ُ ماتبقَى من وطنٍِ أَوشَكَ على الانهيار، لقد ظَلتِ الحنجرة وَحدهَا،  تَصْدَحُ  ،بمباهج الحنين ،مُستحضِرةً عِطْرَ الأمكنة والأزمنة الجميلة،في لحظة مأساوية  حاضرة تُشيرالى استشراء حالات  القتل والفوضى والجنون.

 لَم يرتكِن الفنان إلى الصمت ، في فترة كان الصمت رديفاً للخيانة، بَل ظلَّ صامدا في وجه «الغزاة الجدد» الذين اكتسحوا كالجراد مدينته البهيَّة ، وانتهكُوا حُرمتها أمام الملأ والأشهاد.

 لقد ظلَّ مسكود مَهجُوساً ومسكونًا بالبهجة «العاصمة « كمدينته الأثيرة التي وُلِدَ بها  ذات عام من سنة 1953، والتي أحبَّها حتى النخاع، وهاهي الآن تدخل مرحلة التلاشي والانطفاء، مُتسائلاُ عن روائح أزقَّتها، وبسمة حِرفِييها القُدماء،  لقد بدأت مدينته  -في زمنها الحاضر- تفقد بالتدريج ملامحها ومذاقها الأصيل، بِفعل الاكتساح  الهمجي  والعِمراني، مُحَوِّلاً   كل ماهو جميل وأخَّاذ إلى  فضاء للوحشة والقنوط ، في مِثل  هذا الوضع البائس كان لابُدَ لمسكود أن يُطلِق صرخته  المُدويَّة، وأن يَصلَ صَداها -بصدق- شِغافَ كل القلوب،..يقول مُوجِهاً كلامَه إلى  الحكماء والرجال الطيبين:

-» غابًَت النِيَّة يا لْفَاهمَ…رَاح ْذاك الوقت الزين»

لقد كتب  واسيني  بإقتدارمَرثية الوطن، لكنَّه، أيضا أفسح مجالاً- ولو ضئيلاً- لِمُغنِي المدينة «مسكود.»، لِلشَدْو والغناء،  وَليقُول لنا عبر عسل الكلام  المُصفَّى ،  أنَّ ثمَّة  مِقداراً من الحنين بإمكانِنا أن نَستَظِلَّ ونطمئنَ  بِه رغم تجَهُم الحياة وضراوة الواقع الذي يُحيط بنا من كل الجهات.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *