نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

• ويهمسُ لي: «يا حُلوتي»، فتتقمَّصُني ملامح فرح أمي، حين وجدتها مستلذَّة برسائل رجلٍ أنجبني، كانت خطابات شوقه تثير حنينها حتى شهيقها لعطره النائم في الكلمات.

ما زالت تحتفظ باضطراب خدودٍ محمرّة؛ شيءٌ بداخلي جعلني أسرقُ النظرةَ إلى مكتوبِ شوقِه، علّي أجد عشقها يحمل ملامح عشقي. لكنها عاقلة؛ جنون العِشق في زمنِها كان محرماً، واسم الحبيب محرَّم، لم تَنَم كفُّها في كفِّه، فالعيبُ يخيفها من نظراتٍ تترصَّدها، والعِشقُ المفضوحُ كان من المحرَّمات.

كم أغنيةٍ وجدتْ فارسها فيها، لكنها لم تشاركها مسامعه تلك اللحظة! بماذا كان يهمسُ لها؟ «عزيزتي»؟ «حبيبتي»؟ موتي؟ حياتي؟!

بل من أين لهم ذاك التجمُّل والتَّخفي، كمن يحمل خطيئة؟

همستُ لها : «كم رجلًا دخل حياتك؟»

ويقينٌ أدركته : أن نبضها حين بلغ رشده، كان لذات الرجل.

وجه حبيبي لمحته بشيءٍ من الاعتذار، كأني أُبثه حماقة كل محاولة فاشلة كنت أبحثه فيها قبل أن أجده؛

ليتني احتفظتُ له بغشاءِ قلبٍ لم يُفِض طُهره دنسُ جراحِ خيانةٍ.

هل كانت تُشاركه؟

تُسائله بصوت الغيرة أن يكفَّ ابتساماته عن تلك الجميلة؟

بل، أكانت تحتقرُ فعلتَه وتسبُّها؟

أظنّه لم يكن يرى سواها؛ فكل نساء الأرض لم يستعمرِن قلبه.

صوتُها… كيف كان الشوقُ يمنعه منه؟

كيف للشوارعِ أن ترتكب حماقة تمنعها من تذوِّق خُطى عاشقَين؟

يتمسَّكان بأيدي بعضهما في كل الطرق، تغامزهما عيونُ الإشارات، وصوتُ الأبواق، ونسماتُ الفرح،

كرنفال عاشقين تصدح أنفاس لحظتهما بنبضٍ صاخبٍ يتخبط به اتزانهما.

هل قالت له «أُحبُّك»؟

ماذا كان يهديها بعيد ميلادها؟

أيُّ عطرٍ اقتنته؟

من أين للصباحِ بشروقٍ لا يحملُ دعوات الخير تخص مسامعهما من أُمنيات حبيبٍ لحبيبته؟

وكدتُ أحسدها على ذلك المنديل، الذي كان قبل ميلاد حرماني من تلك القصَّة،

مطرّزٌ برمزها، وذلك السهم كأنّه إقرار باختراقِ الحب قلبها، بقوةٍ، وبعذاب حرمانٍ جميل.

… وسأتقمّص دورها. طرأت الفكرة بجنون.

أغلقت هاتفي، وقضيتُ ساعاتٍ طوالٍ أترقَّبُ طَقطَقة على أبواب انتظاري،

تُدسُّ فيَّ مظروف قلقٍ وشوقٍ، أقفز بكلماتها من غائب.

تهجرني طُرُقاتي حين وحدتي بدونه،

فأستلذ بوجعِ فُقدانٍ يشتهي جواره.

أقتني كتاباً، تسائِلنُي صفحاتُه عن عيون قارئٍ يجد بالحرف لغة بوحه،

فيصرخ بي : «تشابهين قصة عِشقي بتلك الجميلة!»

أنامُ دون تبريكاتِ صوته حين تشرق شمس حُرقَتي دونه.

وأتمنَّعُ. أشعرُ بالغربة.

أستعيد حال أيّامي، فهذا الشوقُ، وهذا الحنين، والموتُ بحسِّ افتقاد …

لا طاقةَ لي بالتَّحمُّل.

أهرولُ للقائِه.

أستغفرُ لفِعلتي.

أحدِّثه عن جنون محاولة إحياء ذكرى حبٍّ في زمنٍ ليس زمني،

يرمقني بعتابٍ، يقصُّ عليَّ شكواه.

نفتعلُ الخصام، فمحاولتي لا تبرير لها في منطقه.

أعودُ إلى أمِّي. أبتسمُ لقوَّتها.

أحدِّثها عن عِشقي، فيثورُ بها الحنين لرجلِ ماضيها،

وتحمل لأثيرِ الوصلِ صوت أشواقها.

أكادُ أصرخ بها : كيف تستبدلين مكاتيبك؟!

أراها تبتسم لصوتِه،

ويموت داخلي شغفٌ، كان قبل قليل يتساءل :

«من أين كانت أيَّامهم تستلِف الصبر لقلبٍ يعاني الحرمان،

ويتقوّى بحِفنة فرحٍ، ينالها من شوقٍ يتجدَّد بلا رأفة،

بلقاءٍ تُطفئ نيرانه بموعدٍ آخر مُبرم؟»

وأعاتب أيَّامي،

لتنكِّرها لساعي بريد الأمسِ،

الذي لم يحمل لي رسالةً أدسُّ كلماتها بداخلي،

لأُعيدها بكل لحظةٍ بإحساسٍ آخر.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *