• في لحظة وداع صادقة ترجل عن صهوة الحياة رجلٌ ظلّ رمزاً للزهد والإنسانية والقيادة الأخلاقية.
خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، الرئيس السابق لدولة الأوروغواي والذي لُقّب ب “أفقر رئيس في العالم”، لكنه كان، ولا يزال، من أغنى القادة قِيماً ومبادئ.
رحل في اليوم 13 مايو 2025 عن عمر ناهز التسعين عاماً، بعد مسيرة حافلة بالنضال والتجربة والتواضع، خلّف فيها إرثاً أخلاقياً نادراً في زمنٍ تُشترى فيه المواقف وتُباع القيم.
ولد موخيكا عام 1935 وعاش حياةً حافلة بالتقلبات من مناضلٍ يساري ضمن حركة “التوباماروس” الثورية، إلى سجينٍ سياسي قضى أكثر من 13 عاماً في الزنازين أغلبها في عزلةٍ قاسية ثم خرج منها بقلبٍ متسامح لا يعرف الحقد، ليصعد سلّم السياسة ويصبح رئيساً للبلاد بين عامي 2010 و2015 دون أن يغيّره المنصب أو تُغويه السلطة.
كان موخيكا يعيش في مزرعته الريفية المتواضعة ويقود سيارته الفولكسواجن القديمة ويتبرع بمعظم راتبه الرئاسي للفقراء والمنظمات الخيرية. لم يبدّل ساعته ولا ملابسه وكان يقابل الضيوف الرسميين مرتدياً “الشبشب” في بعض الأحيان. كان ذلك بالنسبة له درساً عملياً في فلسفة الحياة وأن الإنسان لا يُقاس بما يملك بل بما يُعطي.
عُرف موخيكا ليس فقط بتواضعه بل بعمق نظرته فقد كانت كلماته تشبه سنين الحكمة وفيها تأمل وصبر وفهم عميق للحياة. في خطاباته لطالما تحدث عن الاستهلاك المفرط وعبودية العصر الحديث تحت وهم التقدم. وصرّح يوماً في الأمم المتحدة قائلاً: “نحن لسنا هنا من أجل التنمية المادية فحسب، بل من أجل السعادة. الحياة قصيرة ونُولد من أجل أن نعيش لا لنُستَهلَك.”
بوفاته لا تفقد الأوروغواي زعيماً سياسياً فقط بل يفقد العالم ضميراً حياً نادر الوجود في زمنٍ تسوده المصالح والأنا. ستظل سيرته مدرسة للزعماء ومصدر إلهام لكل من يؤمن أن القيادة الحقيقية تنبع من البساطة والصدق وخدمة الناس.
رحل خوسيه موخيكا عن دنيانا لكن ستظل مزرعته، وكل شجرة زرعها بيديه شاهدة على رجلٍ اختار أن يعيش كأحد أفراد الشعب لا كملكٍ عليهم.
وداعاً خوسيه… لقد عشت عزيزاً ومِتّ عظيماً وتركت في دربك قبساً من سنين الحكمة.