
د. خالد مصطفى
كاتب صحفي.
• هذا الصوت الغريب (صوت البندقية) يجب أن يصمت إلى الأبد، و(كل سونكي أحسن يبقى مسطرينة) كما قال محجوب الشريف، لتعود الحياة لطبيعتها في الريف والمدينة، فصوت البندقية هو انحراف عن الحياة الطبيعية.
الريف – ورغم بساطته وحيويته ونقائه – يحتاج إلى مقوِّمات ليلحق بركب التطور الذي لا مفر منه، فالإنسان في حالة تطور دائمة ومستمرة ما بقيت هناك حياة، ولا بدَّ من الاعتراف بأن التطور قد حلَّ كثيراً من مشكلات الإنسان، وسهل الحياة كثيراً، فالعلم والاكتشافات المصاحبة له جعلت الحياة أفضل على سطح هذا الكوكب المسمَّى بالكرة الأرضية.
وبالرغم من الصورة النمطية للريف في سوداننا الحبيب، إلا أنه من الممكن تخيُّل الريف مكاناً أفضل للعيش بإدخال تعديلات بسيطة على الحياة الريفية، مع الاحتفاظ بـ (نكهة الريف) المميزة، فوسائل الإنتاج التقليدية يمكنها أن تتطور، يمكن أن نتخيَّل دخول تقنيات زراعية وبستانية حديثة وتقاوي محسنة، وآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الزراعة، كما يمكن تخيُّل مزارع للإبقار والأغنام والماعز والجمال، ودخول سلالات محسنة بصورة حديثة تواكب ما توصل إليه الإنتاج الحيواني، بدلاً عن الحركة المستمرة للحيوانات المنهكة للإنسان والحيوان. وذلك لزيادة الإنتاج؛ مما يوفر فائضاً يستخدم في التعمير والتطور، بدلاً عن الدوران في حلقة الإنتاج للاكتفاء الذاتي. كما يمكن أن تدخل مدارس حديثة وتعليم نظامي جيد، ومستشفيات ومراكز صحية حديثة ومواكبة، وشبكات مياه وكهرباء وغيرها من وسائل الترفيه والحركة. كما يمكن عمل ورش مستمرة لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة.
هذا ما يسمونه في عالم السياسة نقل المدينة إلى الريف، أو نقل محاسن المدينة إلى الريف؛ مما يجعل الحياة أفضل في الريف والمدينة معاً، ويقلص الفوارق، ويقلل النزاعات والصراعات، ويمنع الهجرة الدائمة من الريف إلى المدن بحثاً عن حياة أفضل؛ مما يساهم في عملية الاستقرار المنشودة.
تحضرني هنا قصة حكاها لي أحدهم فقال: عندما كنا في الجامعة وفجأة قطعت الكهرباء وأظلمت الأرض وزادت درجة الحرارة في القاعة، تساءل أبناء المدن (بالله كيف كان يعيش أجدادنا القدماء بدون كهرباء؟!)،فكانت صدمة لأبناء الريف الذين يعيشون حتى الآن بدون كهرباء، فقال أحدهم (أنا جدكم هذا الموجود معكم في هذه القاعة، لا توجد في قريتنا كهرباء حتى الآن!!)، فكانت الدهشة.
إذن على من تقع مسؤوليه التطوير؟
عملية التطور تسير ببطء إذا تركت للتفاعل الطبيعي، ولكن لا بدَّ من (محفزات) لتسريع هذه العملية، أحد أقوى المحفزات هو التدخل من الحكومات ووضع خطط واضحة، ذلك من شأنه أن يأتي بنتائج أفضل، وبصورة أسرع.
المتعلمون من أبناء الريف وبناته أيضاً يقع على عاتقهم تطوير الريف (ودفع ضريبة الوطن الصغير)، وذلك بتقديم المبادرات بدلاً عن شد الرحال إلى المدن والتمتع بخدماتها، وترك الريف يدور حول نفسه، فهذه المدن الجميلة التي تعجبكم قد شُيّدت بمبادرات من الرجال والنساء، إنهم مثلكم تماماً. (وما حك جلدك مثل ظفرك).. والسلام.
شارك المقال