دور المنظمات غير الحكومية في حماية حقوق الإنسان والشعوب في أفريقيا

69
محمد معتصم

محمد معتصم عبدالعظيم

مستشار قانوني وباحث في مجال حقوق الإنسان

• كانت الدول بصفة عامة والأفريقية على وجه الخصوص تقف موقفاً إيجابياً من كل عمل أو نشاط يهدف إلى ترقية حقوق الإنسان والتوعية بها، وترحب وتشجع كل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ذات الطابع التوعوي، فإنه على النقيض من ذلك أن حماية حقوق الإنسان تنظر إليها بكثير من الريبة والحذر، وتعتبرها تدخلاً في شؤونها الداخلية، ومساساً بسيادتها. وكثيراً ما تضيّق الخناق على المنظمات غير الحكومية ذات الاختصاص الحمائي؛ حيث إنها تستعمل أساليب متنوعة لكشف الانتهاكات والخروقات التى ترتكبها الدول في مجال حقوق الإنسان، وغالباً ما تضعها في موقف المتهم الذي يدافع عن نفسه أمام اللجان والمحاكم الدولية والإقليمية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، كما أنها تفضح تلك الدول أمام الرأي العام الداخلي والدولي؛ مما يسيء إلى سمعتها ومركزها.

تلعب المنظمات دوراً أساسياً في حماية حقوق الإنسان والشعوب في القارة الأفريقية، خاصة في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشها الأفارقة أفراداً وشعوباً، والتي فيها مساس بأهم حقوقهم وحرياتهم في ظل الحكومات الأفريقية التي أغلبها لا يؤمن بفكرة حقوق الإنسان وضرورة حمايتها والدفاع عنها، كما أن هذه المنظمات تعمل داخل الدول الأفريقية بالتنسيق مع اللجنة الأفريقية والمحكمة الأفريقية، بحيث تمد لها يد المساعدة أثناء فحصها المراسلات سواء الحكومية أو الفردية. 

وكذلك تلجأ هذه المنظمات في سبيل حماية حقوق الإنسان والشعوب داخل الدول الأفريقية، إلى عدة وسائل وآليات تساعدها في عملها الحمائي، والملاحظ هو أن أغلب الأساليب التي تستعملها هذه المنظمات هي أساليب خاصة بها، ابتكرتها من أجل تحقيق أهدافها، وغالباً ما تبدأ هذه المنظمات عملها بواسطة آلية رصد وتتبع الانتهاكات الحاصلة داخل الدول الأفريقية، ثم بعدها تلجأ إلى آلية ثانية هي آلية التدخل لدى الدول المعنية من أجل وقف هذه الانتهاكات، وفي حالة عدم الاستجابة لطلباتها فإنها تستعين بآلية أخرى فعالة، وهي آلية الضغط على الدول المنتهكة لحقوق الإنسان والشعوب. 

وتندرج تحت كل آلية مجموعة من الآليات الأخرى تستعملها من أجل تحقيق أهدافها، وهذه الآليات كالاتي:

أولاً: آلية رصد وتتبع انتهاكات حقوق الإنسان والشعوب داخل الدول الأفريقية 

يعد رصد وتتبع الانتهاكات التي تقع داخل الدول الأفريقية أول وسيلة تستعملها المنظمات غير الحكومية المهتمة بحماية حقوق الإنسان والشعوب، وهي عملية ليست بالسهلة، إذ كثيراً ما تحيط الدول انتهاكاتها لحقوق وحريات مواطنيها بسرية تامة، وتمارس رقابة على كل وسائل الإعلام الداخلية، حتى لا تنشر الأخبار الخاصة بتلك الانتهاكات. 

ولم تسلم من الرقابة حتى شبكة الإنترنت، غير أن المنظمات غير الحكومية لم تقف مكتوفة الأيدي، بل أوجدت وسائل فعالة تستطيع من خلالها رصد وتتبع كل الخروقات التي تقترفها الدول الأفريقية في مجال حقوق الإنسان، والتغلب على السرية والرقابة المفروضة عليها. 

ومن هذه الوسائل الفعالة، إرسال البعثات الميدانية، وتعد هذه البعثات من أهم الأساليب التي تلجأ إليها المنظمات غير الحكومية عندما تصل إليها المعلومة حول وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان داخل أية دولة من الدول الأفريقية أو التهديد بوقوعها، ومن الوسائل الفعالة كذلك وسيلة تبادل المعلومات مع المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، وكذلك وسيلة إنشاء المنظمات غير الحكومية فروع لها داخل الدول الأفريقية.

ثانياً: التدخل لدى الدول الأفريقية 

بعدما تقوم المنظمات غير الحكومية بعملية رصد وتتبع انتهاكات حقوق الإنسان داخل الدول الأفريقية، فإنها لا تبقى مكتوفة الأيدي، بل تلجأ إلى آلية من آليات الحماية، وهي التدخل لدى الدول الأفريقية بهدف حماية تلك الحقوق والحريات المنتهكة. وتستعمل المنظمات غير الحكومية في سبيل ذلك عدة وسائل، تضع بها الدول الأفريقية أمام الأمر الواقع وفي مواجهة الهيئات الأفريقية المختصة في حماية حقوق الإنسان والشعوب التي نص عليها الميثاق الأفريقي، وتتمثل هذه الوسائل في تقديم الشكاوى نيابة عن الضحايا للجنة الأفريقية، وكذلك تبني حالات معينة لضحايا انتهكت حقوقهم، وكذلك توجيه خطابات للسلطات المعنية داخل الدول الأفريقية، وإصدار النداءات العاجلة لتقديم المساعدات والخدمات للضحايا.

ثالثاً: ممارسة الضغوط على الدول الأفريقية 

بعد أن تقوم المنظمات غير الحكومية بعملية الرصد وتتبع الانتهاكات، فإنها تتدخل من أجل وقفها، وتقديم المساعدات للضحايا. 

وبالرغم من ذلك لاحظت المنظمات غير الحكومية أن الدول الأفريقية المعنية لا تزال مستمرة في خرقها للحقوق والحريات الأساسية للإنسان، ولذلك فإنها لجأت إلى آلية أخرى من أرجح وأقوى الآليات في مجال الحماية، وهي آلية الضغط على الدول الأفريقية. 

وهناك نوعان من الضغوط التي يمكن للمنظمات غير الحكومية ممارستها على الدول الأفريقية وهي ضغوط مادية ومعنوية.

وبموحب هذه الآليات والوسائل الفعالة جداً، نستطيع القول بأن المنظمات غير الحكومية قادرة على كشف الانتهاكات والخروقات التي ترتكبها الدول الأفريقية في مجال حقوق الإنسان، وتضعها في موقف المتهم، وكذلك تساعد هذه الآليات على لعب الدور الأساسي لهذه المنظمات غير الحكومية في حماية حقوق الإنسان والشعوب في القارة الأفريقية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *