دور التنمية المتوازنة في استدامة عملية السلام في السودان

117
دكتور عادل عبدالعزيز

د. عادل عبدالعزيز حامد

كاتب صحفي

مقدمة:

‏• شهد السودان، على مدى فترات طويلة من الزمان، صراعات داخلية معقدة أدّت إلى تأثيرات سلبية كبيرة على استقراره وتقدّمه. وإحدى هذه الصراعات بدأت قبل أن ينال السودان الاستقلال، سنة 1955، بتمرّد إحدى قوى الجيش السوداني في توريت بجنوب السودان، وكانت هذه هي البداية للحرب في الجنوب.
ثم بعد ذلك، تلتها الصراعات القبلية العرقية في كردفان ودارفور والنيل الأزرق، والتي أدّت إلى تآكل النسيج الاجتماعي. وكان سببها التنافس على الموارد الطبيعية وغياب العدالة الاجتماعية وتفاوت التنمية بين المناطق.

أهمية التنمية المتوازنة في القضاء على الصراعات:

تُعتبر التنمية المتوازنة أداةً مهمة للغاية في استدامة عملية السلام في السودان.
تعني عملية التنمية المتوازنة رفع كفاءة الاقتصاد المحلي، وزيادة قدرته التنافسية، ودفع القطاع الخاص نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الكلي، وزيادة حصته في الناتج الإجمالي المحلي، وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين في الإنتاج، وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي على الاستثمار.

وهذا يعني تشجيع جميع المواطنين القادرين على الإنتاج على المشاركة الجماعية في العملية الإنتاجية. وذلك يتطلب إزالة كافة العقبات التي تحول دون ذلك، وتسهيل المهمة الإنتاجية.
بمفهوم مختصر، وبعيداً عن تعقيدات البحث العلمي واستعمال المصطلحات الاقتصادية والتنموية المعقدة، نقول بلغة عادية وسهلة: إن التنمية المستدامة تعزّز من استقرار المجتمع، وتقلّل من أسباب النزاع، طالما تمت هذه التنمية بنوع من العدالة، وشملت الاحتياجات اللازمة للمواطنين من أجل حياة كريمة وفاضلة.

معظم النزاعات تحدث إمّا لندرة الموارد، فيصبح هنالك صراع حولها، أو لسوء توزيعها دون عدالة، وظلم بعض المواطنين دون غيرهم.

السودان، عموماً، يتمتع بموارد اقتصادية كبيرة، طبيعية وزراعية، ومعادن مختلفة من مختلف المناطق، وتحتاج إلى إدارة جيدة، عادلة ومتوازنة على مستوى المركز وعلى مستوى الأطراف.
التنمية المتوازنة تبدأ بنشر الوعي العام والاستنارة، وهذا لا يتم إلّا بواسطة نشر التعليم. وأول خطوة في توازن التنمية أن يكون هناك نشر للتعليم، ويجب أن يكون التعليم متماشياً مع احتياجات الناس في مناطقهم.

وإذا تساوى الناس في أهمية التعليم في مراحله الأولى، قطعاً نحتاج إلى تعليم مختلف في مراحل التعليم العليا.
فقد نهضت الدول الكبرى في العالم بواسطة التعليم حسب الحاجة، وأقصد كذلك التعليم العالي والمتوسط، وليس المقصود به التعليم العالي الأكاديمي الذي يُخرج أعداداً كبيرة من الطلاب، ولا يجدون بعد ذلك عملاً.

ولعلّ هناك من يقول: إننا نريد التعليم العالي لتوسيع المدارك والاستنارة والفهم العام. وهذا صحيح، ولكنه لا يُراد في هذه المرحلة، والناس يحتاجون الأساسيات من أجل الإعاشة والحياة الكريمة، طالما أن الدولة ليست في استطاعتها الاستجابة لحاجاتهم الضرورية من الأكل، والشرب، والصحة، والتعليم الأساسي.
التعليم الجامعة الاكاديمي كانت نسبته فى الولايات المتحدة الأمريكية حوالى ٧،٧% من اجمالي السكان عام. ١٩٦٠ وارتفع إلى ٣٧% فى عام ٢٠٢١.

وفي هذا المقال، نقترح إنشاء الكليات الجامعية المتوسطة، والتي تُنشأ حسب طبيعة كل إقليم وموارده واحتياجاته، مثل:

المناطق الزراعية: تُنشأ فيها كليات زراعية.

المناطق الصناعية: تُنشأ فيها كليات جامعية مهنية وصناعية.
وهكذا تتم المسألة في كل ولاية من ولايات السودان، حسب الحاجة لتنمية الولاية وتشغيل كل المواطنين. وهكذا يجب أن يتم التخطيط الاستراتيجي حسب الاحتياجات وحسب الموارد.

التنمية المتوازنة لتحقيق السلام:

لعلّ من أهم مقومات السلام إمكانية الحياة الكريمة، التي تؤمّن للمواطن الحد الأدنى من العيش الكريم، وتكفل له الأساسيات من الأمن والسلم والغذاء. وهذه لا يمكن أن تتم إلّا بتوفر العمل المناسب للأفراد، حسب قدراتهم ومؤهلاتهم.
وهذه الأشياء تبدأ بالتعليم والتدريب، كما ذكرنا سابقاً.
وعليه، يمكن لمشروعات التنمية المختلفة أن تساهم في ذلك، مثل:

● مشروعات البنية التحتية

● المشروعات الزراعية

● المشروعات الصناعية

● مشروعات التدريب والتأصيل

● مشروعات بناء القدرات الأساسية

مشاركة المجتمعات المحلية:

في كل هذه الأشياء يجب أن تُشرك المجتمعات المحلية لمعرفة احتياجات هذه المجتمعات، حسب طبيعة المنطقة ونوعية السكان ومعارفهم وقدراتهم، لتكون المشروعات وفقاً للحاجة وطبيعة هذه المناطق.

التحديات التي تواجه التنمية:

هناك تحديات عديدة تقف أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن أهم هذه التحديات:

● الجهل، وكما يقولون: “الجاهل عدو نفسه”، وأنا أتمنى في هذا المجال الوعي العام في المجتمعات المحلية، لأهمية مشروعات التنمية بمختلف أنواعها. فيجب أن تكون هناك توعية عامة ناحية النهوض بهذه المجتمعات، والارتقاء بها إلى الأمام.

● التوترات الاجتماعية والمعرفية، قد تحول دون جهود التنمية.

● الصراعات السياسية والمصالح الشخصية، أحياناً تقف أمام مشروعات التنمية، ويجب أن تكون المصلحة العامة أهم من المصالح الشخصية.

● قنوات التواصل، يجب أن تكون مفتوحة بين الحكومة المركزية والمجتمعات المحلية بمختلف الولايات، وتعكس للحكومة احتياجات المناطق المحلية، وكيفية النهوض بهذه المجتمعات.

يجب أن يكون هناك دور مهم للمنظمات المحلية غير الحكومية، منظمات المجتمع المدني، والتي يشارك فيها المواطنون المحليون، لي يساهموا في خدمة أنفسهم أولاً، ومجتمعاتهم ثانياً. وهذه تقوم على شعار: “نحن نساعدكم لتساعدوا أنفسكم”.

وأيضاً، هناك دور لمنظمات المجتمع المدني الدولية، والتي يجب ألّا يكون لديها أجندة سياسية خارجية تسعى إليها، ويجب الانتباه إلى هذا الأمر جيداً.

الخاتمة:

إن معالجة الصراعات في السودان، وخاصة بعد هذه الحرب التي استهدفت المواطن السوداني، واستهدفت البنية التحتية، يجب أن تسعى إلى استعادة الخدمات الأساسية للمواطنين، من مدارس، وجامعات، ومستشفيات، ومراكز صحية، وبنية أساسية، وأسواق تؤمن الحاجيات الأساسية للمواطنين.

يجب أن تكون هناك استراتيجيات شاملة، تتضمن التنمية المتوازنة في كل ولايات السودان، وأهمية أن نُشرك المواطن في صناعة هذه الاستراتيجيات، أو أن نستوعب مشكلاتهم وحاجاتهم المطلوبة.
وهكذا، يمكن أن نضع تنمية متوازنة نُرسي من خلالها استدامة السلام والوئام في السودان الحبيب.
وبالله التوفيق،

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *