• ولعله من أفضل المشاهد التي قدمها الفنان المصري الراحل (محمود عبد العزيز) رحمه الله، ذلك المشهد العالق في ذاكرة السينما المصرية من فيلم (الكيت كات).
شخصية شيخ حسني، تلك الشخصية التي كتبها بحرفية عالية المخرج داود عبد السيد.
شيخ حسني على تعقيدات تكوينه كأكمه كفيف منغمس في الحياة وملذاتها، رغم إعداد أهله له كشيخ أزهري أو مشروع أزهري (فاشل)، غاص في أعماق مجتمعه الصغير، مما أتاح له معرفة أدق الأسرار وما خفي من تفاصيل، وحمل كل هذه الأسرار دون بوح حتى حادثة العزاء التي صورها المشهد، فانداح دون أن يعلم أن المايكرفون الذي كان يقرأ قارئ القرآن به قد غفا فني الصوت وتركه مفتوحاً.
تحدث حينها (شيخ حسني) مع جوقة الحضور عن علاقة ابنه غير الشرعية بجارتهم المطلقة، وعن تلك التي تخون زوجها، وعن صديقه تاجر المخدرات، وعن بطولات ومغامرات تخصه، مستغلاً عماه ذاك الذي يقره الناس وينكره هو وفق مكابرة متطرفة، حتى إنه يعشق السينما، ويقتنع بأنه يستطيع قيادة دراجة ابنه، كوميديا من التناقض صنعت تلك الشخصية.
مواقع التواصل الاجتماعي هي ذلك المايكرفون المفتوح سهواً أو عمداً، وغالباً ما ننداح بأسرار لا يجب البوح بها من خلال هذه المواقع، بوحاً يبدأ من أدنى تفاصيل وجبة الإفطار إلى أعلى أسرار علاقاتنا.
أصبحنا عوض أن نهتم بالاستمتاع بأوقاتنا وعيش جمال لحظاتها، نحرص أكثر على تصوير وتوثيق تلك اللحظات قصد نشرها، ومن ثم جمع التعليقات والاستحسانات.
هذا التعلّق باللحاق بركب الشهرة والانتشار، وهذا التسابق على ما يعرف ب(الترند)، جعلنا دون أن ندري نبوح بما وجب كتمه، ونصرّح بما يستوجب التلميح.
مؤلم جداً تكرار نموذج المايك المفتوح والسر المفضوح والبوح المبحوح، حتى صار الأصل في الانتشار الإثارة، والأصل في صناعة المحتوى التفاهة. وتراجعت الثقافة والاستنارة.