دروب العودة: نداء الوطن في زمن اللجوء والحرب

70
دروب العودة٢
Picture of بقلم: أ. د. فيصل فضل المولى

بقلم: أ. د. فيصل فضل المولى

* أكاديمي وباحث مستقل

خلفية المسلسل “دروب العودة”
“دروب العودة” هو مسلسل درامي سوداني من فكرة وإنتاج د. جلال حامد، والذي سبق أن قدم مسلسل “سكة ضياع”. كتب السيناريو والحوار الكاتب عوض شكسبير، وأخرجه إمام حسن إمام.
يضم المسلسل نخبة من نجوم الدراما السودانية، مثل: موسى الأمير، عوض شكسبير، الكندي الأمين، نسرين عمر، ملكة النخلي، ميرفت الزين، أشرقت أبو بكر، حسن كسلا، محمود عبد اللطيف كابو، إبراهيم شنتو، منتصر إبراهيم أب جيقة، وسام صلاح، غسان النعمة، ملكة النخلي، بالإضافة إلى ممثلين من دول مختلفة مثل ليبيا، سوريا، إريتريا، نيجيريا والهند، مما يعكس تنوع الشخصيات والخلفيات الثقافية في القصة.
بدأ عرض المسلسل في رمضان 2023، لكنه لم يكتمل بسبب الحرب التي اندلعت في السودان. وكان من المقرر أن يتكون من 30 حلقة، لكن نظراً للظروف، تمت إعادة هيكلته ليصبح 15 حلقة فقط في نسخة رمضان 2025، مع تعديلات تجعله أكثر توافقًا مع حالة وتوجهات الشعب السوداني بعد الحرب.
الأغنية الرئيسية: صوتٌ ينادي بالعودة
أغنية مسلسل “دروب العودة” هي من كلمات وألحان الشاعر الشاب أحمد البلال فضل المولى، الذي شارك أيضًا في الأداء إلى جانب الفنانة فاطمة عمر. تحمل الأغنية مشاعر الحنين للوطن ومعاناة الغربة، وتصويرًا دراميًا لحالة الشتات واللجوء التي يعيشها السودانيون اليوم.
بين الغربة والوطن: صراع الإنسان مع الرحيل
“حلما تكس ليه في البعيد، حلما تسيبه وراك”
بهذه الكلمات، تعبر الأغنية عن حلم المغترب أو اللاجئ الذي يبدأ في التلاشي مع مرور الأيام. كثير من السودانيين حملوا معهم أحلامهم وطموحاتهم عند الرحيل، لكنهم وجدوا أنفسهم في أماكن لا تمنحهم سوى الانتظار والقلق. في المخيمات، في مدن الشتات، أو حتى على أرصفة الحدود، يتحطم حلم العودة كما تتحطم الأحلام التي لم تجد أرضًا تحتضنها.
“خليت بلادك مشيت، ليه غربة ما فيها هاك”
الهروب من الوطن ليس خيارًا سهلًا، لكنه في كثير من الأحيان يكون الخيار الوحيد. الحرب جعلت الوطن مكانًا غير آمن، ولكن في ذات الوقت، الغربة ليست موطنًا بديلًا. في هذه الجملة تختصر الأغنية ألم الغريب، حيث فقد الأمان في بلاده لكنه أيضًا لم يجد الراحة في المنافي.
الوجع الممتد: اللجوء ليس نجاة
“ما احتملت التعب، لاحت خطاك الهلاك”
المسافات الطويلة التي يقطعها السودانيون هربًا من الحرب ليست مجرد كيلومترات، بل رحلة من الألم والمشقة. من السودان إلى تشاد، مصر، جنوب السودان، أو أوروبا، يواجه اللاجئون السودانيون خطر الموت والجوع والمرض والاستغلال.
الهلاك هنا ليس مجازيًا فقط، بل هو واقعٌ يعيشه الملايين ممن فقدوا حياتهم في طريق الهروب، أو ماتوا بسبب الإهمال في أماكن اللجوء، أو عاشوا تحت وطأة القهر والتمييز في بلاد لا تنظر إليهم كأبناء لها.
“بالعودة كل الدروب ودت مراسيل نداك”
رغم الألم، تظل العودة حلمًا وأملًا. كثيرون ممن أجبروا على الرحيل ما زالوا يتلقون رسائل الوطن في أحلامهم، في ذكرياتهم، في الأخبار التي تردهم من هناك. كل الطرق تظل مفتوحة لنداء العودة، لكن متى؟ وكيف؟ هذا هو السؤال الصعب الذي لا يملك أحد إجابته بعد.
الغربة ليست موطنًا: منفى اختياري أم إجباري؟
“الغربة ما موطنك”
كم من سوداني اليوم بات يبحث عن مكان يسميه “وطنًا”، بعد أن فقد بيته وأسرته وحياته كما يعرفها؟ الغربة، كما تقول الأغنية، ليست موطنًا، لكنها أصبحت قدرًا لكثيرين. الشعور بالاغتراب لا يتعلق فقط بالمكان، بل بالهوية الممزقة، بالشعور بأنك لم تعد تنتمي، لا للمكان الذي غادرته، ولا للمكان الذي وصلت إليه.
“بلدك وإن يوم أباك، ما تشيل مروتك تفوت”
الوطن ليس مجرد أرض، بل هو كرامة وانتماء. رغم كل المآسي، فإن السودانيين الذين غادروا، سواء طوعًا أو قسرًا، ما زالوا يحملون السودان في قلوبهم. كثيرون منهم يرفضون الاندماج الكامل في المنافي، وكأنهم يعلمون في أعماقهم أن هذه ليست النهاية، وأن الرجوع، وإن طال، قادم لا محالة.
نداء العودة: هل من دربٍ للرجوع؟
“ارجع نحاول معاك”
الأغنية تنتهي بنداء العودة، ليس كحلم فقط، بل كدعوة للمحاولة، للبناء من جديد. لكن هل العودة ممكنة؟ مع استمرار الحرب، مع الدمار الذي طال كل شيء، تبدو العودة الآن حلمًا مؤجلًا.
لكن، كما في كل نداءات العودة، لا يتعلق الأمر فقط بالمكان، بل بالإرادة. ربما لا تكون العودة مكانية مباشرة، لكن العودة إلى الهوية، إلى القيم، إلى الإصرار على استعادة الوطن، قد تكون البداية الحقيقية لطريق الرجوع.
في النهاية، الأغنية ليست مجرد قصيدة عن الاغتراب، بل هي مرآة تعكس معاناة اللاجئين والمغتربين السودانيين في هذا الزمن القاسي. إنها صرخة في وجه الحرب، والشتات، والخذلان، ودعوة للحلم بوطن يحتضن أبناءه، بلا حرب، بلا خوف، بلا نزوح.
فمتى تنتهي رحلة الشتات، ويصبح درب الرجعة مفتوحًا؟

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *