
بقلم/ محمد عبد الرحيم سيد أحمد
• أثناء النقاش الذي جمعني مع مديري ومدير الإدارة القانونية حول البدائل المقترحة لتجديد عقد العمل الخاص بي بمناسبة تجاوزي الخامسه والستين من العمر (65)، تطرقنا إلى إمكانية أن يتم التجديد على أساس سنوي، أو الإبقاء على عقد الخدمة كما هو..
في تلك اللحظة سرحت بذهني عائداً إلى أيام كنت أرى فيها أن لا مبرر لاستمرار عمل الإنسان بعد أن يصل لمثل هذا العمر المتقدم جداً، بل كنت أظن أنه لا داعي للحياة نفسها بعد سن الستين!
كان كبار السن يضطرون إلى العمل وفقاً لما يسمّونه وقتها بالعمل بنظام المُشَاهَرَة (هل المقصود بالمشاهرة نظام العمل على أساس شهري مثل نظام العمل اليومي الذي يطلق عليه أهل الخليج نظام المياومة؟).
كنت وقتها لا أرى جدوى في الخروج للعمل بعد أن يضرب الشيب كل أسود، وتصبح الحركة بطيئة وحذرة، وتتعدد النظارات…
يوم أن تصبح الجلابية أطول من قامة صاحبها!
(يقال إن ذلك بسبب تقوس الظهر أو نحول الجسم – كتافينو وقعت)، واليد دائماً على الأنف أو الأذن (يقال إنها الأعضاء الوحيدة التي لا تتوقف عن النمو رغم العمر).
ويتم الحصار مع الأمراض الثلاثة المؤكد لهذا العمر في كل من العيون والبروستات والركب، ثم يضيف الجلوس الطويل للعمل المكتبي المستمر لساعات وسنوات طويلة مع الانفعالات ومتابعة العمل من خلال الكمبيوتر ثلاثة أخرى، هي الغضروف والمصران مع البواسير، وبعدين كل واحد وجيناته ونصيبه من أمراض الوراثة سكر وضغط وكلسترول…. وينادونك «يا حاج» «يا عمو» «ويا جدو كمان!» ويقدمونك للصلاة، وينتظروك للعقد وللدفن…
سبحان القائل:
(ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) «سورة يس:68»
(الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) «سورة الروم :54»
ثم نزلت علينا الحرب السوبر عبثية وأضافت إلى أعبائنا أعباءً، وضربت كل الثوابت وتركت الحليم حيران، وأضافت لسنوات العمر الطويلة وضعف البدن كوابيس الحرب، وتفرّق الأسر، وضياع الوطن. وتبددت أحلام المستقبل واستشراف المستقبل الاقتصادي الذي كنا نأمل لبلادنا مثل «حلم السودان سنة 2100»، ليحل مكانها صوت البندقية وخطاب العنصرية واحتقار الغير في رأيه ودمه وماله وأصله.
فجأة عدتُ لأتابع النقاش، مستحضراً حكمة الشاعر الكبير عبدالله عمر البنا، الذي قال له أحدهم بعدما رأى بطء مشيته:
«يا شيخ عبدالله، اتكتّفتَ تب»
فردّ الشاعر بذكاء:
«الكتفني بفتل ليك استعد».
حقاً، هذا حالنا اليوم: «اتكتّفنا واتفتلنا» ومع ذلك، يظل العمر يكشف المستور، كما عبّر الشاعر:
سيفضحُ العُمرُ ما كنّا كتمنَاهُ
ويعلم الناسُ كم أودت بنَا آهُ
ما الشيبُ إلا حنينٌ كانَ في دمنا
وما التجاعيدُ إلا ما حبسنَاهُ! حذيفة-العرجي.
(الآن لا نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا – حتى لو مدّد لنا صاحب العمل أو المُخدِّم فترة إضافية لعقد العمل، لكننا نستطيع فيما تبقى لنا من عمر أن نقصّر الجلابية (عشان ما تعتِر لينا)، ونُكرّس لحياة أكثر صدقاً، وأن يكون جل الخير فيما نقدمه للغير).
وندعو:
«اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا».
يقال إن المقصود بالدعاء: أن تبقى هذه الحواس قوية حال الكبر، وأن يظل ذكرها وخيرها موروثاً حتى بعد الوفاة، بأن يكون ما أبصره وسمعه المرء من الخير ونشره مذكوراً بعده، موروثاً عنه.
شارك المقال