
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• ترهات عبدالرحيم دقلو بعد الهزيمة العسكرية الموجعة أمام الجيش السوداني يمثل نموذجاً صارخاً لخطاب الخيبة والدحر، الذي يجمع بين التبريرات الساذجة والتناقضات الصريحة والادعاءات الواهية. فبعد خروجه الذليل من الخرطوم مع بقاياه المهزومة، حاول تقديم سردية مبنية على الأكاذيب والتحريفات الواضحة، وكأن الكلمات قادرة على تغيير حقائق الميدان التي أصبحت مكشوفة للجميع.
محاولته تبرير الهزيمة بادعاء (الخطأ في اختيار ساحة المعركة) تكشف عن سذاجة بالغة أو استهانة بعقول المستمعين. فادعاؤه أن التركيز على الولاية الشمالية كان سيكون خياراً أفضل ينسف نفسه بنفسه، لأن أي قائد عسكري – وليس قائد خلاء – يعرف أن السيطرة على العاصمة هي محور أي معركة مصيرية. كما أن هذا التبرير يتناقض مع تصريحاته السابقة التي كان يتباهى فيها بالسيطرة على الخرطوم، مما يؤكد أننا أمام سردية متغيرة حسب ظروف الهزيمة وليس أمام تحليل استراتيجي جاد.
فلو كان التحول إلى الشمال خطة استراتيجية، لما كان الخروج من الخرطوم بهذه الصورة المهينة، مما يؤكد أن الإدعاء تبرير لاحق للهروب.
التناقض الصارخ في روايته حول خروج البرهان من القيادة العامة يكشف آلية الكذب الممنهج في خطابه. فبعد أن زعم سابقاً أن البرهان (هرب بطائرة صغيرة)، نجده الآن يدعي أنه سمح له بالمغادرة للتفاوض! هذا التناقض ليس مجرد زلة لسان، بل هو دليل على أن الرجل يصوغ الحقائق حسب الحاجة، دون أي اعتبار للحقيقة أو حتى لمبدأ الثبات في الرواية. إنها أسلوبية الدعاية الفجة التي أمام حشد مُغيّب بما يكفي ليصدق أي شيء.
ادعاءاته عن مصر تصل إلى درجة السخرية، حيث يتحدث وكأنه قائد منتصر يفرض شروطه على دولة كبرى. هذا الادعاء يتناقض تناقضاً صارخاً مع وضعه كقائد بـ (الصدفة) لميليشيا مهزومة، وهو وضع يعرفه الجميع في الداخل والخارج. مثل هذه التصريحات لا تهدف إلا إلى خداع البسطاء من أتباعه، أو ربما هي محاولة يائسة لرفع معنوياته هو شخصياً بعد الصدمة العسكرية التي تعرض لها.
المثير للاستغراب حقاً هو كيف يمكن لرجل بهذا المستوى من السذاجة والتناقض والفكر المحدود أن يجد من يصدقه؟
الإجابة تكمن في طبيعة الحرب ذات الطابع الإثني الانتفاعي، التي تخلق دائماً بيئة خصبة للدعاية والغزو الفكري. فالميليشيات تعتمد على خليط من المنتفعين مادياً، والمخدوعين أيديولوجياً، والبسطاء الذين لا يملكون أدوات التحليل النقدي. هؤلاء يشكلون قاعدة الدعم الأخيرة لمثل هذه الخطابات بعد أن تخلى عنها العقلاء، الذين فروا بدافع أباطيله البلهاء.
في النهاية، هذا الخطاب ليس إلا محاولة يائسة لإلباس الهزيمة ثوب النصر الوهمي، ولتجميل صورة الانهيار العسكري بأكاذيب مكشوفة. لكن الحقائق الميدانية أقوى من أي خطاب، وقد حكمت بالفشل الذريع على حربه القذرة ضد الشعب ومقدراته. فالكلمات قد تخدع البعض لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع أبداً أن تغير الوقائع التي صنعها الجيش السوداني بعزيمته وانتصاراته.
شارك المقال