
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• وَبِمَا أنَّ الحركات المسلحة عملها ميداني أكثر منه سياسي في الحرب الدائرة الآن في بلدنا السودان، فإني أتعجب لحكومة كامل إدريس التي اتخذت بوق المجلس العسكري الانتقالي وأصبحت ظله الذي لا يفارق أصله، فقد قِيلَ: «جزء من تجربة المعركة، أنك يمكنك الدخول في علاقة حميمة مع أعدائك».
فالحكومات التي تعادي العالم لا تتقدم قيد أنملة، ولو كنت رئيسًا للوزراء لكانت أول زياراتي للدول التي تظن حكومة بورتسودان إنها (عدوة)، رئيس الوزراء ووزير الخاريجة مهمتها تلطيف الأجواء لا الانحياز لسياسة الحكومة.
الانحياز لسياسات الحكومة لها معنىً واحد تعني أنك (ذيل) أو ألفة أو بوليس حارس لسياسة الحكومة وإن كانت ضد البلد، لم نكن يومًا من الأيام أعداءً للسلام أو وقف الرصاص لأننا نؤمن أن السلام هو الأصل والحرب فرع وشاذ، فالحرب حين تتوفر شروطها الشرعية نحن معها، وكذلك حين تتوفر شروط السلام فسوف (نجنح له)، ما نريده من الحرب استنفد كل أسبابه ما عدا وبعض الولايات، ربما تكون راية السلام كفيلة بتحرير كل شبر في السودان بدءًا بكل كردفان وانتهاءً بدارفور.
رئيس الوزراء الكَيِّسُ الفَطِنُ هو الذي يحمل حقيبته ملأى بالحلول، حلولًا غير مجربة ناجعة، فإن كانت وظيفتك (تسمع الكلام) وبس (فلا عادوا ولا عاد الغراب)، جلست بعض الدول مع إسرائيل لأن ذلك كان هو الحل رغم عداوتها (سوريا والأردن ومصر١٩٧٩ نموذجًا)، ودول جلست مع أمريكا لأن ذلك كان الحل رغم عداوتها (روسيا وإيران والصين نموذجًا)، بل أبعد من ذلك فقد تم اتفاق فلسطين نفسها مع إسرائيل عام١٩٩٣حيث كونا أكبر عداوات تأريخية معاصرة، وقبل هذا وذاك جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع الكفار أكثر من مرة ووصل معهم لحلول رغم العداوة العقدية، العراق جلست مع إيران رغم العداوة المذهبية.
على السيد كامل إدريس الخروج من بيت العداوة المصطنعة التي وجدها عند المجلس العسكري والتطلع لأفكار خارج هذا الصندوق، عليه أن يُحدث الفرق فيما يحث للسودان الآن، بحنكته وعلاقاته وأن يُفرض على هذا المجلس العسكري أفكاره وإرادته، عليه أن يتجه في إتجاه آخر فاتجاه المجلس العسكري القديم قد فشل، لم يتحينوا الفرص ولم يستثمروا الوقت رغم انتصارات الجيش وجعل يده هي العليا.
لو فرطنا في هذه اللحظات ونحن الأقوى ربما تُفرض علينا الذلة والمسكنة ونبوء بغضبٍ من الله ونوافق بما نخاف منه.
يدفع المواطن الغلبان الآن ثمن تأخير الحلول وإن كان دقيقة واحدة، ما نحصل عليه اليوم لا يتساوى مع ما نحصل عليه غدًا وإن كان بنفس المواصفات، عامل الزمن يفرق، في كل دقيقة يموت إنسان أو يتألم مريض أو يُهجر مواطن لذلك الدقيقة تفرق، وكما قِيلَ (إذا لم يكن لدينا سلام، فالسبب أننا نسينا الانتماء إلى بعضنا)، وإن لم نشعر بمآسي بعضنا فلا خير فينا.
حكومة كامل إدريس لتكن حكومة مدنية لا يتدخل في عملها العسكر كما يقولون فعليها أخذ المسار الآخر، مسار الحل، والحل اليوم هو أن نتعانق مع السلام ونهزم العدو براية السلام البيضاء لا راية الاستسلام، ونطرق كل باب مغلق يوصلنا للحلول، فالتواضع والحكمة أهم عندنا من التصريحات الهوجاء والعداوات المصطنعة أو غير المصطنعة نحن نحتاج لهذا، وإن استمرت الحرب ألف سنة فهذا لن يحررالقدس وكما إنه لن يجعل الخرطوم (مارينا باي سنغافورة)، أما إذا حل السلام فسوف نوقف هدر دم السودانين حربًا ومرضًا وألمًا وجوعًا.
وبدل أن نقول نحن مضطرون للرقص مع الذئاب، علينا أن نقول نحن نسعى للحب مع الجميع، ففي أعياد الميلاد يتوقف الرصاص، وعيد ميلادنا ينبغي أن يكون مع تولي الدكتور كامل إدريس وليس أكثر. للأسف بدأ الدكتور كامل إدريس بتكرار نفس لغة العساكر من النقد وصنع البغضاء والتصريحات غير المسؤولة، فإن كنا معه سنجرب نفس المجرب فما معنى تعيين حكومة ورئيس وزراء، هل فقط ليكون بوقًا وصدىً لما تفرضه الشجرة على ظلها، الدكتور كامل إدريس يجب أن تتذكر أنك مدني لا عسكري، وأنك حكومة لا ظل، وأنك الصوت وليس الصدى.
شارك المقال