• حينما يمضي من العمر أزهره وأنضره، فإن كنت ناجحاً فذلك لأنك حزت المال وأصبحت من الأثرياء، فالغني بالمال كان قارون ومات وقد خُسِفَت به الأرض، لم يغنه المالُ شيئاً.
أو لأنك حزت السلطة، فبالسلطة كان فرعون ومات وقد شرقه ماء الغرق، لم تغنه السلطة شيئاً. فالسلطة والمال هما أهم أسباب الصراعات منذ بدء التأريخ.
لن تفعل في هذه الحياة أفضل مما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مات، ولن تفعل أفضل مما فعله الرجال وماتوا، لن تكون شيئاً مختلفاً، لن تُخَلَّد، هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله ولم يفعله غيرك هو الخلود، هل تقدر!؟
الصراع في الحياة عمره محدود وأمده قصير، نحن ننسى أو ربما نتناسى أننا سوف نغادر، ولن نأخذ معنا إلا ثوباً أبيض ثمنه درهمان، ولأننا دوماً هكذا ـ ننسى ـ لذلك نتصارع على المال والذهب والسلطة والمنصب، وكل شيء، حتى إن رجلين تقاتلا في امرأة فصنعا بذلك سنّة كونية اسمها (القتل)، وحتى إن أطول الحروب في التأريخ كانت بسبب ناقة.
الإنسان بطبعه يصنع من اللا شيء شيئاً، ويبني من الرمل قبة يقاتل الريح لأنها خربتها، أو الموج لأنه اعتدى على أملاكه، نحن نصنع الجريمة لنرتكبها ثم ندينها ثم نقول: تباً لها دنيا.
صياغة أنفسنا وبأيدينا أمر شاق لكنه ممكن، فقط تنقصنا شجاعة الإقدام على ذلك.
كان أكبر سؤال يتابع خطواتي منذ زمن طويل هو: لماذا نفعل أشياء بالإكراه في وقت يمكن أن نفعل الأشياء نفسها بالتراضي؟
في الزواج في السفر في الانتساب للجيش أو الشرطة أو الجامعة، كل المواضيع التي تتباين فيها آراء الأسرة نفعل غصباً عنهم ما يمكن أن نفعله برضاهم، ذلك لأننا نفتقد الكياسة وصناعة الحِيل المُرْضِيةِ، نسعى بكل جهد لتعقيد الحياة، ولفت الانتباه، وكسر قيود السكون، هذه في النفس البشرية وقس على ذلك القرية والمدينة والدولة والعالم.
ولعل مركب الخطأ هو شيء لازم فينا، لذلك أقلّ تقديراتنا تُبنَى على الخطأ فنُخطئ.
سرق لص إطارات سيارة بعد أن رفعها عن الأرض، ولما عاد صاحب السيارة رفع يديه للسماء وقال اللهم اهده وعافه واغنه وأشهدك إني قد عفوت عنه، وسرق لص إطارات سيارة بعد أن رفعها عن الأرض، ولما عاد صاحب السيارة لعن الدنيا ومن فيها وسخط على كل من حوله واتهم كل من يعرف ومن لا يعرف.
هذان موقفان متشابهان اختلفت نتيجة كليهما، ومثل هذا كثير، كل القضية ترتكز في ردة الفعل الموجبة وردة الفعل السالبة، فلماذا عندنا في السودان يرمي زميلك في المدرسة قلمك في الأرض دون قصد، ينتهي الحوار إلى شجار ومن ثم قتال وضرب وسب وشتم؟ ولماذا حينما يرتكب الفعل نفسه طالب في دولة الهند مثلاً وعن قصد فيقول المُعتدَى عليه بلغتهم (آسف)، وتنتهي قصتهما بابتسام متبادل!؟
القضية ليست كما نظن اختلاف ثقافات، بل هي اختلاف أفهام، هنا مغلقة وهناك متفتحة، لذلك تجد أكثر شعوب الأرض تسامحاً هي أكثرها ارتباطاً وأكثرها تفاهماً، أما نحن فأسباب تخلفنا لم تقف فقط على عدم تسامحنا، بل تخطت ذلك ل(قفلة) الرأس، وعدم التواضع و(وهمة) نحن أفهم ناس، نحن أفضل ناس، نحن أكرم ناس، نحن ود الظلط ذاتو.
شارك المقال