حين يصبح الضوء رماديّاً 

3
عماد الدين

عماد الدين الصادق العوض

كاتب صحفي

• لم أكن أنتظر شيئاً، ولم يكن لدي ما أخسره، لكن كل شيء من حولي بدىٰ لي هشّاً في تلك اللحظة، كما لو أن الهواء ذاته قد يتكسَّر لو سعلتُ فقط.

 صمتٌ مشوب بالاحتمال، يتدلّى من سقف الغرفة كأنفاس معلّقة، لا تنوي أن تكتمل ولا أن تنقضي.

الضوء المتسلل من خلف الستارة لا يشبه نهاراً واضحاً، ولا يُعبّر عن ليلٍ طويل باقٍ، بل هو ما بينهما.. المنطقة الرمادية من الزمن التي لا ينتمي فيها الضوء إلى أحد.

الغرفة كما هي.. الكرسي مائل قليلاً وكأنه تعِب من الاستقامة، الأرائك صامتة أنهكها الإنصات، والستارة تتمايل بخفة مريبة، لا تشبه الريح… بل تشبه الوقت حين لا يعرف إلى أين يذهب..

سحبتُ نفساً طويلاً من «الدانهيل»، لا طلباً لراحة ولا بحثاً عن طقوسٍ تُواري تعب الأيام في دخانٍ يتلاشى، بل تواطأ مع هذا السكون المُبلل بالتكرار.

الدخان ارتفع كسؤال لا يجد له سقفاً، ثم تلاشى كما تتلاشى النوايا بالأعذار.

الأشياء من حولي لا تزال في أماكنها، لكن حضورها ليس كما كان.

الساعة تُصدر «تكّاتٍ» لا يُقصد بها التوقيت، بل للتذكير،

الأوراق على الطاولة لا تُقرأ، ولا تُكتب، لكنها تقيم بين الحروف المعلقة، كما يقيم التعب في جسدٍ يستيقظ بلا رغبة.

أفكّر: هل نبدأ فعلاً حين نفتح أعيننا؟

هل للنهار قوة ولادة حقيقية؟

أم أن البدايات مجرد خدعة زمنية، نواسي بها أنفسنا كلما مرّ الصباح على وجوهنا دون أن يغيّر ملامحنا؟

ربما لا نبدأ فعلاً… بل نحن فقط لا نتوقف.

نواصل الوقوف، والمشي، والردّ على المكالمات، وارتداء الملابس ذاتها، والمرور بجانب النافذة ذاتها، ليس لأن في ذلك رغبة… بل لأننا لا نملك رفاهية السقوط.

كل صباح هو امتداد أنيق لليلة طويلة، ليس تجدداً، بل تكرار مُهذّب لتعبٍ فينا نعرفه جيداً.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *