
هيثم محمداني
كاتب صحفي
• النجاح عادةً ما يكون مدعاة للفخر والاحتفاء، لكنه في السودان قد يتحول إلى تهمة تُلاحق صاحبها. ليس لأن النجاح في حد ذاته أمرٌ مرفوض، بل لأن البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية غالبًا ما تجعله محفوفًا بالمصاعب والتحديات. والمفارقة المؤلمة أن هذه العقلية لا تتوقف عند حدود الوطن، بل تمتد حتى إلى السودانيين في بلاد المهجر، حيث يظل النجاح في بعض الأحيان سببًا للحسد والمضايقة بدلًا من أن يكون مصدر إلهام ودعم.
النجاح في مواجهة العراقيل
الطريق إلى النجاح في السودان مليء بالعقبات، حيث يواجه الناجحون صعوبات لا تتعلق فقط بالظروف الاقتصادية والسياسية، بل تمتد إلى الثقافة الاجتماعية التي تُشكك في كل نجاح. فمن يسعى للتميز يجد نفسه في مواجهة مجتمع يرى في النجاح خروجًا عن المألوف، بل أحيانًا يعتبره تهديدًا.
العوائق التي تحاصر الناجحين
- البيئة السياسية غير المستقرة
السودان لم يعرف استقرارًا سياسيًا طويل الأمد، وكلما بدأ مسار التنمية جاء اضطراب سياسي ليعيد الأمور إلى نقطة الصفر. هذه البيئة تجعل من الصعب على المبدعين ورواد الأعمال أن يبنوا مشاريعهم بثقة، حيث يظل الخوف من التغييرات المفاجئة مسيطرًا. - اقتصادٌ طاردٌ للكفاءات
رغم أن السودان بلدٌ غني بالموارد، إلا أن السياسات الاقتصادية المتخبطة، والبيروقراطية المعقدة، وغياب الدعم الحقيقي للمشاريع الناشئة تجعل من الاستمرار في الداخل مغامرة غير محسوبة العواقب. ونتيجة لذلك، يفضل كثيرون الهجرة حيث يجدون بيئة أكثر استقرارًا وتقديرًا لكفاءاتهم. - ثقافة محاربة التميز
كثيرًا ما يُواجه الناجحون بنظرات الريبة، وكأن نجاحهم جاء على حساب الآخرين. وبدلًا من أن يكونوا مصدر فخر، يصبحون هدفًا للحسد والمضايقات، مما يدفع البعض إلى إخفاء إنجازاتهم أو مغادرة بيئتهم بحثًا عن مكان يُقدرهم. - ضعف المؤسسات التعليمية والبحث العلمي
لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون نظام تعليمي قوي، لكن في السودان، يواجه الباحثون والمبدعون نقصًا في الدعم والإمكانات، مما يدفعهم للبحث عن فرص في الخارج حيث يتم تقدير عملهم وإتاحة المجال لهم للإبداع.
النجاح في المهجر.. نفس القصة تتكرر!
المفارقة أن هذه العقليات لا تتوقف عند حدود السودان، بل تمتد حتى إلى الجاليات السودانية في الخارج. فبدلًا من أن تكون تجمعات المهجر بيئة حاضنة للناجحين، نجد أحيانًا نفس السلوكيات التي تحبط النجاح داخل السودان تتكرر:
الحسد والمقارنة غير العادلة: عندما ينجح أحد أفراد الجالية في مشروع أو يحصل على منصب مرموق، قد لا يلقى الدعم المتوقع، بل يُواجه بالانتقاد والتشكيك.
التقليل من الإنجازات: بدلاً من الاحتفاء بالنجاحات، قد يُقال إن هذا الشخص “محظوظ” أو أن الظروف خدمته، وكأن النجاح لا يأتي إلا بالمصادفة.
الانقسامات داخل الجاليات: بعض التجمعات السودانية في الخارج تفتقد لروح التعاون، حيث تنشأ خلافات قائمة على التنافس غير الصحي بدلًا من دعم بعضنا البعض لتحقيق الأفضل.
هل يمكن تغيير هذا الواقع؟
سواء داخل السودان أو خارجه، فإن النجاح يجب أن يكون شيئًا يُحتفى به، لا سببًا للحسد أو التثبيط. ولكي يتغير هذا الواقع، لا بد من:
نشر ثقافة التقدير والدعم: علينا أن ندرك أن نجاح فرد هو نجاح للمجتمع ككل.
خلق بيئة إيجابية في المهجر: يجب أن تكون الجاليات السودانية في الخارج منصات لدعم المبدعين وليس ساحات للصراعات والتنافس السلبي.
الاستفادة من تجارب الدول الأخرى: في كثير من المجتمعات، يُنظر إلى الناجحين على أنهم قدوة، فلماذا لا نفعل الشيء نفسه؟
ختاماً:
النجاح لا يجب أن يكون تهمة، لا في السودان ولا في المهجر. علينا أن نغير نظرتنا إليه، وبدلًا من محاربته، يجب أن نحتفي به وندعمه، لأن مجتمعاتنا لا يمكن أن تنهض إلا عندما يتحول النجاح من أمرٍ مُحارَب إلى ثقافةٍ تُزرع في الأجيال القادمة.
السؤال الذي يبقى: متى سنتوقف عن محاربة بعضنا البعض وندرك أن نجاح الفرد هو نجاح للجميع؟
شارك المقال