حكاية حب: أصابع فاطمة!! 

28
صورة رومانسية
Picture of بقلم: عبدالغني كرم الله

بقلم: عبدالغني كرم الله

• هل رأيتم الحب كله، في أصابع فتاة سارحة، تفرك يديها؟!..

قطفت، تلكم الأصابع النحيلة، وهي تتكئ على مائدة خشبية قديمة، زهور العشق، من ضلوع السماء، ومن خضرة القلوب الهائمة، كي تفرك عطره بكفها، وتلبس رحيق الحب خاتما صغيرا في يدها.

أصابع، كأنها تعجن النسيم، كي تخلق منه، صنم شاعري، لحبيبها، بللت النسيم بكريات عرق فاتنة، تعلقت على عنقها، لآلئ سائله، أنجبتها أشعة شمس واهنة، تسلل من طاقة صغيرة، أشعة هي الأخرى، تسيل على عنقها، ونحرها، ضوء وعرق، خلقا غروبا صغيرا، يشع من صفحة عنقها، ، أستل دفئه، نهر ماس لين من صفحة العنق، قطرات عرق نقية، تكاثرت على صفحة العنق، والنحر، وسالت بين نهديها، تسربت لبركة سرتها، واندلقت سيول صغيرة أسفل، عجنت بها طين النسيم، وصنعت منه صباح نادرا، يتلألأ كله، في وجه الحبيب، وجبينه، وتنتشر هالته الرزينة في بطون الحكايات، وقبة السماء التي تدثر القرية بحنو عظيم، وتمد النجوم كف ضوئها الناعم، كي ترى صنم الحبيب، في حنايا قلبها، واقفا في المائدة الخشبية، طوال الليل، ديدبان لأي حلم مزعج، أو حتى سعيد، قد يؤرق نومها.

سارحة، في أفاق بعيدة، بحناياها، مهما أسرجت خيول الضوء، أو براق الروح، لن تدرك بخور غبارها، تصغي لأمير صغير، قلب مطوي تحت ضلوعها، لا أدري كيف تسمع الأصابع تلكم الأغنية التي ترتل بين ضلوعها، فترقص على موسيقاها، فوق فوطة صفراء، ذات زهور حمراء، على الطربيزة، وهي تجلس على كرسي خيزران بسيط، وقد غرقت في حلم ملموس، حي، ينبع من قلبها، ويأوي أقاصي المجرات، في صدره الصغير.

تلك الاستحالة الجميلة، جرت فوق تلك الفوطة الصفراء، أصابع مخمورة، ضغطت أصبعها الصغير، ببطء شاعري، بيدها اليسرى، كي تحس بأنها لا تحلم بفردوس، هناك، بل هنا، وهناك، في آن، حلم حي، أفرد جناحيه في كل ما ترى، وتسمع، وتحس!!..

ساكنة، ترعى خراف قلبها، في عشب غزير، الفوطة الصفراء نمت زهورها الحمراء، ومست بتلاتها خد فاطمة، وتلوت، كأنثى بخور، من شهيقها العذب، صارت غابة من ورد، فاح عطرها في نبض القبور القديمة، للرسل والشعراء والمجرمين، وفي خدود أطفال لم تولد أمهاتهم بعد..

لا تخاف الفراشات والعصافير من كتف فاطمة، ومن الأغصان، ترك وتحلق وتنام فوقه، وقت ما تريد، كتفها ملئ بالحلم، وأعشاش الطيور، وبيض الرخ، وأجنة القصائد، ستجد ألف عش للغيم، وراحة البال، والسكينة في كتف فاطمة، وفي قلبها..

لو ركعت لطفل باك، أو سجدت لبرعم عطش، تنزلق تلكم الأحلام، وتتهاوى الكنوز من كتفها، وتملأ الأرض خضرة، وجمالا، وشعرا، حتى النجوم، تمد يديها المضيئة، وتقطف بريقها من كنوز فاطمة، التي اندلقت من كتفها الأسمر النبيل..

فرك أصابع بسيطة، حلق بي بعيدا، هل أنا شاعر؟ لا أظن، لم أكتب سوى قصيدة في مراهقتي، ولا فيلسوف، بغته، شعرت بأني مقسرا على التفكير في تلك الومضة، التي شعت فيني، حين رأيت أصابع تفرك، فعل وحركة بسيطة، والتي تفاقمت لمجرات لا تحاط، وبئر لا تسبر، تعجبت من تلك الومضة، أضاءت ألف تجربة حب مررت به، سوى في حياتي هده، أم حيوات قديمة، إضاءتها الومضة، ورأيتها رأي العين، أقسم بيقين، جازم، بأني كنت قبل أن أولد أعيش، واعشق، رأيت ذلك، من ومضة خرجت من أيدي فتاة بسيطة تفرك يديها، وأنارت نهر الزمان، ما كنته، وما سأكونه، برق سحر قوي، أصابتني بداء نبيل، جعلتني في علاقة مع كل شئ، النسيم، لهيب الواقع، الأمس البعيد، توتر القلب، وهاد الوادي، الزفير، بني آدم في كل اصقاع الأرض، وبصورة موجزة، جعلتني أحس بالكون بأسره، وبأثره، كأنامل تداعب خد ناعم، لفتاة عاشقة…

الحق، أي حركة لها، هي حب، أتعجب من جسم تحيط به هالة حب، يمشي ويركع ويجلس بحب، حتى وهي تسير مع بقرة صغيرة، حامل بعجل ينفخ بطنها، تحس بحبها يغمر البقرة، وعجلها، وضربات قلبها، تثقل الوادي الذي تسير فيه، بغيوم حب عظيم، تحسه الأعشاب فتخضر، والديدان فترقص..

كانت مع بقرتها، قادمة من قرية بعيدة، (أجي كان كدة تعبانه يابت امي، أها بقعد انتظرك ترتاحي، الحمل بعمل كده أصلو)، كانت البقرة الحمراء، المبرقعة بالأبيض، قد توقفت عند شجرة، وجلست فاطمة بعيدة عنها على حجر، وسرحت في بطن البقرة، بل دخلت بطن البقرة، ومسحت على شعر العجل النائم برقة متناهية، قلب فاطمة كالضوء، يدخل الأشياء دون أن يؤديها، كما يدخل الحب القلب، والضوء الزجاج، والبخور النسيم، شعرت بالبقرة الحامل، وبعجلها المنتظر، فاطمة لم تلد، ولكنها ولدتنا جمعيا، حتى الفراشات، وراحة البال، والحلم البهيج، ولدته فاطمة، رحمها فردوس، لا يخطر على قلب رسول، أو شاعر…

(خلاص قمتي، كان كدي أرح قبل الواضة تسخن)، نهضت البقرة، بعد أن رفعت أرجلها الأمامية، ثم الخلفية بتأني، كأنها هي الآخرى فاطمة، غريزة الامومة فاطمة، رفعت بطنها بمهمل، ومضت مع فاطمة في طريق متعرج، بين حقول خضراء، وأخرى يابسة، كانت البقرة تمشي امام فاطمة، أم وطفل، توقفت البقرة عند جدول وأنحت راسها كي تشرب، جلست فاطمة على حافة الجدول وشربت، نظرت البقرة لفاطمة بعيون حزينة، ثم واصلت الشراب، انتظرت فاطمة البقرة كي تشرب ويشرب جننيها، وذيلها.. ..

نظرت البقرة لفاطمة بصفاء، عيونها الوسعية، شربت من روح فاطمة، ونزلت من الجدول ومضت، أخوات، منهم من تسير على أربع، ومنهم من تسير على قدمين، وذيل جميل ثمل، ترقص به رياح الفرح، يمنى ويسرى..

(سمح بمشي ليك براحة)، وابطأت من حركتها، فالبقرة فترت، سرحت فاطمة، وبعد حين وجدت البقرة خلفها بعيدة عنها، صاحت لغيمة فوقها (أموت ليك غطيها معاي) وببساطة طفل، مدت الغيمة ظلها المبارك، وأدخلت البقرة وديلها، وعجلها، في حجرها الأسمر…

تقدمت البقرة، سباق بين بقرة وأمها، بين أم وشاعرة حلوب، بين كائنين، لهم قلب ينبض بين الضلوع، أحدهما حامل بعجلة، واخرى حامل بمسيح أسمر، في كل جوارحها، طعنت شوكة قدم فاطمة، جلست تتألم في رمل ساخن، ضغطت باطن قدمها، نظرت البقرة خلفها، عادت تجري لفاطمة، أم هي الأخرى، بطنها يهتز كسعن، وقفت تلحس قدم فاطمة، بلسان طويل أحمر، بحجم بطن قدم آمنة البيضاء، شفاء وبركة، في ثوان، شعرت فاطمة بأن الألم رسول، يجعلها تحس بأهمية كل جزء فينا، باطن قدمها شاعر هو الأخر، تئن قصائده، وتحزن، ويغشى وزنها الظهر، والظفر، والفؤاد..

كما تلحس عجلتها عند الولادة، لحست بطن قدمها، وفي عينيها، بريق أم، أبتسمت لها فاطمة، وهي تجلس القرفصاء، وتمسح وربتت على أرنبه أنفها، وهزت قرينها، معا، وقامت متكلة عليها، واصلاتا المشي، أم وأم، وذيل طويل، يضرب النسيم مرحا، يسرى ويمنى، ونسيم رخو، ككف فاطمة، يلعب بثوبها ، يمنى ويسرى.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *