اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو زعم ناشروها، أنها حديثة ومرتبطة بمعارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد.
تزامن انتشار المقاطع مع التطورات العسكرية في الفاشر التي أعلن الدعم السريع سيطرته عليها، بما فيها مقر الفرقة السادسة مشاة بالمدينة التي كانت آخر نقاط سيطرة الجيش في إقليمدارفور.
وتتدفق المقاطع على المنصات بوتيرة متسارعة، تحمل عناوين مثيرة وتتناقض في مضمونها بين من يؤكد صمود المدينة، ومن يزعم سقوطها، لتختلط الحقيقة بالتضليل البصري والمعلوماتي على المنصات الرقمية بشأن ما يحدث في الفاشر.
وتتبع فريق “الجزيرة تحقق” خيوط أبرز المواد البصرية المتداولة، بهدف تفكيك مصادرها وكشف حقيقتها، فضلا عن تحديد سياقها الزماني والمكاني وإظهار سياقها الصحيح.
إخلاء آمن
وتزامنا مع اشتداد المعارك داخل المدينة، رصد فريق “الجزيرة تحقق” مشاركة حسابات تابعة ومقربة من قوات الدعم السريع في الترويج لرواية موحدة بمواقع التواصل الاجتماعي، مفادها أن القوات أمنت خروج مئات من سكان الفاشر إلى مناطق آمنة، بعد أن استخدمهم الجيش والقوات المشتركة “دروعا بشرية” قبل انسحابهم من المدينة.
لكن التحليل البصري الذي أجراه فريقنا لعدد من المقاطع المتداولة -خصوصا عبر منصة “تيك توك”- كشف تناقضا واضحا مع تلك الرواية.
وأظهر أحد المقاطع المنشورة على حساب أحد منسوبي الدعم السريع في “تيك توك” في 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مشهدا لمسن بملابس مضرجة بالدماء يسير وسط مدنيين نزحوا من المدينة، مما قد يشير إلى تعرضهم لانتهاكات.
🚨Update from North Darfur
October 26,2025,
A complete collapse of human rights has been reported in North Darfur State, particularly around El Fasher. As of this morning, the Rapid Support Forces #RSF reportedly took full control of the Headquarters of six Sudanese Armed… pic.twitter.com/ZAD0uhL7Y3
كما أثبت رصدنا لمقاطعفيديو التقطها عناصر من الدعم السريع في الفاشر، توثق ضرب عدد من المحتجزين بالعصي وإهانتهم وتشبيههم بالحيوانات، بما يعزز صحة تعرضهم لانتهاكات.
أسر قائد فرقة
ووسط موجة التضليل الرقمي، برز اسم اللواء محمد أحمد الخضر، قائد الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر، كأحد أبرز القيادات العسكرية التي ادعت حسابات ومنشورات على المنصات أنها وقعت في أسر قوات الدعم السريع خلال الساعات الأخيرة من المعارك.
وتداولت حسابات محسوبة على الدعم السريع عدة مقاطع فيديو تزعم توثيق لحظة القبض عليه، وانتشرت هذه الادعاءات على نطاق واسع في منصات مثل “إكس” و”فيسبوك”، حيث جرى تداولها باعتبارها دليلا على انهيار آخر خطوط الدفاع عن الفاشر.
منشورات متداولة على “إكس” تزعم إلقاء القبض على قائد الفرقة السادسة مشاة الفاشر (تويت ديك)
لكنّ فريق “الجزيرة تحقق” قارن هذه المشاهد بصور ومقاطع فيديو أخرى ظهر فيها قائد الفرقة في فعاليات مختلفة، وتبين من التحليل البصري أنها غير متطابقة تماما في تجاعيد الوجه وحجم الأنف، إذ لم يظهر القيادي البارز في هذه الفيديوهات، على عكس ما ادعت منابر الدعم السريع الإعلامية، كما أن الجيش لم يعلن عبر أي من حساباته الرسمية معلومات تؤكد صحة هذه الرواية.
اختلافات في تجاعيد الوجه بين الفيديو المتداول (يمين) وقائد الفرقة السادسة مشاة (منصات التواصل)
من جهتها، نفت “تنسيقية لجان مقاومة الفاشر” عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك صحة الأنباء المتداولة، مؤكدة أن جميع قيادات الجيش والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية، بمن فيهم اللواء محمد أحمد الخضر، بخير ويديرون العمليات العسكرية ميدانيا.
ووصفت التنسيقية تلك الادعاءات بأنها جزء من “حملة تضليل” تقودها قوات الدعم السريع وحسابات داعمة لها.
تحرير السجناء
وتداولت حسابات تابعة لقوات الدعم السريع في 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري مقطع فيديو آخر زعمت أنه يوثق “تحرير عشرات المواطنين من سجون القوات المشتركة” في حي “الدرجة الأولى” بمدينة الفاشر، متهمة ما وصفتها بـ”حركات المرتزقة” باستخدام المدنيين دروعا بشرية والمزايدة بهم بتصويرهم داخل المعتقلات وكأنهم مجوّعون ومعرضون للموت.
كمية المواطنين المحتجزين في احياء الدرجة الاولى الفاشر الذين تم تحريرهم اليوم من سجون المشتركة تدل على حقيقة واحدة وهى ان حركات الارتزاق تستخدم هؤلاء المدنين كدروع بشرية من اجل المزايدة بهم وتصويرهم من داخل معتقلات التجويع وعرضهم بانهم يموتون من الجوع .
إلا أن تقنيات البحث العكسي التي أجراها فريق “الجزيرة تحقق” كشفت أن المقطع المذكور ليس حديثا ولا يرتبط بأحداث الفاشر الحالية، حيث أظهرت نسخة قديمة له نشرت في 2 مايو/أيار 2025 على منصة “إكس”، لحظة خروج عشرات السجناء الذين أطلق سراحهم من سجن مدينةالنهود بولاية غرب كردفان على يد أفراد من قوات الدعم السريع.
كما انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع، زعمت حسابات موثقة على منصة “إكس” أنه يظهر عناصر من القوات المشتركة -المتحالفة مع الجيش السوداني- وهم يُطمئنون الشعب السوداني بعدم سقوط مدينة الفاشر، عقب المعارك الضارية التي استمرت ساعات بين الطرفين.
غير أن عملية البحث العكسي، أظهرت أن الفيديو نشر سابقا في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على منصة “إكس”، ما يؤكد أنه قديم. كما تمكنا من التحقق من هوية مصور المقطع، وتبين أنه متوكل علي وكيل، وهو عضو اللجنة الإعلامية بالقوة المشتركة.
وأعادت حسابات عربية، مشاركة فيديو زعمت أنه يوثق الاشتباكات العنيفة التي وقعت أمس الأحد بين القواتالمسلحةالسودانية وقوات الدعم السريع، مرفقا بعبارة: “الفاشر هي الحاجز والصخرة التي تفكك فيها المؤامرات وأحلام المليشيات وستظل المدينة عصية عليهم”.
السودان ، بيان، "ولاية شمال دارفور -الفاشر. (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) في هذه المرحلة المهمة والحرجة من صبيحة الاحد الموافق 26 اكتوبر 2025 وفي الوقت الذي لم يبقَ لاهل الفاشر حصنٌ وملاذٌ أخير غير الدفاع و التدافع لكرامتها سوى سلاح، و… pic.twitter.com/8B1f1kTDOQ
غير أن فريق “الجزيرة تحقق” توصل إلى نسخة قديمة من نفس المقطع نشره حساب تابع لحركة “جيش تحرير السودان” في 14 يونيو/حزيران 2024 عبر “فيسبوك”، وتداول المشاهد آنذاك على أنها توثق “واحدة من أعنف معارك الفاشر”، مما يؤكد أنها ليست حديثة ولا علاقة لها بمعارك المدينة الأخيرة.