«حفاة بلا شيء»: نازحون سودانيون بين براثن الجوع وصراخ صامت

71
1

• تعتمد عزيزة إسماعيل إدريس على نار بالكاد تكفي لطهي قدر عصيدة، آخر ما تبقى من طعام لعائلتها بعد أيام من الجوع. في زاوية من مخيمات طويلة بدارفور، حيث تحولت الحياة إلى معركة يومية للبقاء، تقول الأم السودانية بصوت منهك: «لم تأت أي منظمة، لا ماء ولا طعام.. ولا حتى بسكويت للأطفال». مشهد يتكرر مئات المرات في هذه البلدة الزراعية الصغيرة التي استقبلت 300 ألف نازح فروا من هجمات الدعم السريع الدموية، حاملين معهم فقط ذكريات الرعب ورحلة فرار شاقة عبر 60 كم من الصحراء الحارقة.

وسط هذا الكم البشري اليائس، تتحول المدارس إلى ثكنات مكتظة، والمساجد إلى ملاجئ لا مكان فيها للسجود، بينما تنتشر أكواخ القش والبلاستيك عشوائياً تحت شمس تلامس 40 درجة مئوية. النساء يصطفن لساعات أمام خزان ماء وحيد، حاملات جراكن فارغة، بينما يتدافع آخرون عند مطاعم الإغاثة، كل منهم يحمل وعاءً أملاً في لقمة تسد رمق أطفالهن. «كاد العطش يقتلنا عندما وصلنا»، تقول حواء حسن محمد التي فرت من الفاشر المحاصرة، بينما تحاول طفلة بملابس ممزقة أن تشرب من وعاء صدئ.

الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 حولت دارفور إلى جحيم مفتوح، حيث أعلنت مجاعة رسمية في أجزاء من شمال الإقليم، بينما يقف أكثر من مليون شخص على حافة الموت جوعاً. المنظمات الإنسانية تعترف بعجزها الصارخ: «1600 طن من الغذاء وصلت الشهر الماضي بعد رحلة خطرة استغرقت أسبوعين عبر حواجز متعددة»، كما تكشف ليني كينزلي من برنامج الأغذية العالمي. لكن هذه الكميات لا تمثل سوى قطرة في محيط الاحتياجات، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بقطع الطرق الترابية الوحيدة.

في ظل هذا المشهد الكابوسي، تبرز قصص صمود مؤثرة: أطفال يلعبون بصمت في التراب بملابس مهترئة، رجال عاجزون ينظرون إلى أفق لا يحمل سوى غبار الحرب، وجدّ يروي لأحفاده حكايات عن بيت لم يعد موجوداً. بينما تبقى الوعود عاجزة عن سد جوع العطشى أو علاج المرضى الذين يموتون بصمت.

«الاستجابة العالمية لا تواكب حجم الكارثة»، يصرخ نواه تايلور من مجلس اللاجئين النرويجي، بينما تتحول كل شاحنة مساعدات تصل إلى البلدة إلى معجزة صغيرة في بحر من المعاناة. اليوم، لم يعد السؤال عن موعد انتهاء الحرب، بل عن كم من الوقت يمكن لهؤلاء «الحفاة بلا شيء» أن يصمدوا قبل أن يتحول صراخهم الجائع إلى صمت أبدي. في دارفور، حيث تتداخل روائح الموت بالغبار، ينتظر الجميع إجابة قد لا تأتي أبداً.

– ديلي ميل

– اي اف بي

 

شارك التقرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *