حرب وحب وأشياء أخرى (الشالو من عينك.. يشيلو من قلبك)

125
منال بشير عباس

منال بشير عباس

• (الشالو من عينك يشيلو من قلبك) كانت الوالدة (حليمة بت التومة) تردد هذه الكلمات المواسية ، كلما سلب القدر منها أو من أحد منا أو من اعزائها ، شيئا عزيزا و غاليا لن يعود أبدا 

    اتذكر كلماتها هذه كلما تحسست قلبي بأصابع من ثلج فوجدته خاليا و فارغا من كل شئ إلا الذكريات الجميلة التي تشيع فيه الدفء و والإطمئنان كلما عصفت به رياح الغربة و غطاه جليد الفقد و النزوح.  

أشياء كثيرة إحترقت في نيران هذه الحرب القبيحة التي لا تزال مشتعلة حتى الآن لكن هناك أشياء لم و لن تطالها ألسنة اللهب و لا رماد النسيان 

هذه الإشياء و إن تكن قد غابت عن العين لكنها باقية في القلب مثل الوشم لا تزول و لا تبهت بمرور الأيام و الأعوام. 

صحيح ، أننا فقدنا الكثير من الأشياء المادية و المعنوية التي لا تقدر بثمن ، لكننا لم ننس السعادة التي منحتنا لها هذه الأشياء ذات يوم لحظة امتلاكنا لها و لحظة فراقنا لها ، و ما تمنحنا له الآن أطيافها الساحرة لحظة عبور خاطفة في الخاطر ، من إبتسامات و رضا. 

أتذكر بدون أسى و لا ألم اشياء كثيرة فقدتها في هذه الحرب و يجعلني ذلك أنظر حولي إلى أشياء أكثر يظن الناس أن امتلاكها يجعل الحياة أجمل أو أكمل و يملؤني يقين تام لا يقبل الشك بأنه أحيانا و في لحظة إدراك صادقة نكتشف أن (القليل هو الكثير) وأن (بعض النقصان هو عين الكمال) وأن الوحدة (للعارفين وطن) وأن لكل شئ زمانا و أوانا.

أعيش زماني الآن و أتوق لزمان قادم و ذكريات قادمة.

زمان آمن يسير فيه الناس في بلدي في شوارع آمنة ،خالية من الخوف و البغض و الكره و نظرات التوجس و الشك و أسلحة القتل و الدمار . 

شوارع تأخذني من (الطريق الشاقيه الترام) إلى (مقابر البكري) صباح (جمعة ) جامعة و دعوة مسموعة و سامعة ، أقف فيه أمام مرقدك يا أمي و أحكي لك الكثير كما تعودت أن أفعل منذ أن غيرت دارك وعنوان إقامتك في صبيحة العشرين من شهر مايو في العام الحادي و العشرين بعد الألفين للميلاد لأقول لك:

إن الحرب قد سلبتني الكثير و أحرقت من عمري سنوات أصبحت هباءا منثورا و ( إتشالت ) أشياء كثيرة من العين، لكنها – و يا للعجب – لسة باقية في القلب ! ليرد على الغياب: 

و هل كان لك من بعد أمك اصلا  قلب؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *