
نجيب عصام يماني
كاتب صحفي سعودي
• في عالم يموج بالتحديات الاقتصادية والتقلبات السياسية والأزمات البيئية، لم يعد هناك خيار أكثر واقعية وأقل كلفة من طريق السلام والتعاون. فالتآمر، وصناعة الحروب، وإشعال الصراعات، لم تجلب للعالم سوى الدماء والدمار، ولم تنتج عنه سوى كوارث إنسانية تدفع ثمنها الشعوب البسيطة، قتلاً وتشريداً وفقراً وجوعاً، بينما يحصد المتآمرون والمستثمرون في الموت الثروات الطائلة على حساب القيم والأرواح.
التعاون والشراكات: طريق التنمية المستدامة
تقوم الشراكات الاستثمارية على مبدأ تبادل المصالح وتحقيق المنفعة المتبادلة، وهي تقوم على الرؤية طويلة المدى، التي تسعى إلى بناء مستقبل مزدهر قائم على استغلال الموارد المتاحة بطريقة ذكية ومستدامة. الدول التي اتخذت من التعاون نهجاً لها، مثل بعض النماذج في آسيا وأوروبا، أصبحت في مصاف الدول المتقدمة خلال عقود قليلة، بينما الدول التي اختارت طريق النزاعات غرقت في مستنقع التخلف والتبعية والدمار.
لماذا التعاون أفضل من الحرب؟
إليك بعض الأسباب المنطقية:
الحرب تستهلك الموارد، بينما التعاون ينمّيها:
في كل حرب، تُصرف المليارات على التسلّح والدمار، بينما يُمكن أن تُستثمر هذه الأموال في بناء المدارس، وتطوير البنية التحتية، وتحسين حياة الناس.
الحرب تهدم، والتعاون يبني:
ما تبنيه الدول في عشرات السنين يمكن أن تدمره الحرب في أيام، أما التعاون فيعني مشاريع، مصانع، جامعات، فرص عمل، ونماءً بشرياً.
التآمر يُقسّم الشعوب، والتعاون يوحّدها:
التآمر يُغذي الكراهية والانقسام، أما التعاون فيجمع المصالح ويوجّه الطاقات نحو البناء والازدهار.
الحرب تُخلّف الأحقاد، والتعاون يُعزز الثقة. لا تندمل جراح الحروب بسهولة، بينما التعاون يُراكم الثقة، ويُبنى عليه مستقبل مشترك.
في الحرب، الكل خاسر… حتى المنتصر:
من ينتصر في الحروب يكسب معارك مؤقتة، لكنه يخسر الاحترام والثقة والمستقبل، بينما التعاون لا يخسر فيه أحد.
السودان كنموذج مؤلم لصناعة الحروب
ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد نزاع داخلي عابر، بل هو نموذج صارخ لما يمكن أن تفعله الأطماع الإقليمية والدولية حين تُغلف بالصراعات الأهلية. لقد تحوّل السودان إلى مسرح تجريبي لتصفية الحسابات وتحقيق مصالح الآخرين على حساب الوطن والمواطن. وما زالت الحرب تحصد الأرواح، وتدمر المؤسسات، وتهجّر الملايين، وتبدد فرص التنمية.
كان السودان مؤهلاً ليكون أحد أقوى الاقتصادات في القارة الأفريقية وفي عالمه العربي، بما يملكه من موارد طبيعية وموقع جغرافي استراتيجي، وعقول شابة قادرة على الإبداع، لكن تم استنزافه في دوامة حروب عبثية وصراعات سياسية ممنهجة، تم التخطيط لها بعناية داخل غرف الاستخبارات وشاشات المال والنفوذ.
بصراحة التاريخ لن يرحم من يُشعلون الحروب ليشتروا بها النفوذ، ولن يخلّد من يتآمرون على الشعوب ليستولوا على مواردها. أما من يصنعون السلام ويبنون جسور التعاون، فهم من يكتبون أسماءهم في صفحات النور.
العالم اليوم في حاجة إلى صوت العقل، إلى قادة يرون في التعاون قوة، وفي الشراكة استثماراً للمستقبل، وفي السلام طريقاً للبقاء. فالحروب مهما طالت، لا تخلّف إلا أطلالًا، بينما السلام يُعمّر أوطاناً.
دعونا نختار السلام، لا لأننا ضعفاء، بل لأننا أقوياء بالحكمة.
ولنصنع التعاون، لا لأننا عاجزون عن الحرب، بل لأننا أذكى من أن نكرر أخطاء التاريخ.
شارك المقال