د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• يقال إن أحد رجالات الإدارة الأهلية في العهد الاستعماري  الإنجليزي المصري، دعا أعضاء الحكومة والموظفين وأعيان البلد في مناسبة، فلبوا  الدعوة جميعاً، وكانوا شعوباً مختلفة، منهم إنجليز، وأرمن، وشركس، ومصريون، وأتراك، وهنود وأفارقة وغيرهم.

بالإضافة إلى  السودانيين بتنوعهم المعروف، جاؤوا جميعاً، وامتلأ ديوان العمدة بالضيوف من كل الجنسيات، وذبحت الذبائح، وأكرموا غاية الإكرام، ثم جلسوا يتسامرون فيما بينهم ويناقشون مواضيع مختلفة كعادة الناس في  المناسبات.

وكان للعمدة راعٍ يرعى له بهائمه في الخلاء، وتصادف أن جاء الراعي في ذلك اليوم إلى البيت لبعض الأغراض، فوجد الديوان مليئاً بالضيوف من كل الجنسيات فاندهش، وحاول أن يرجع إلى الخلف مباشرة، ويعود من حيث أتى، ولكن العمدة فهمه وطمأنه، وطلب له كوباً من  الشاي أولاً، فلما اطمأن الراعي، ووجد  هؤلاء الناس مسالمين، ورشف أول رشفة من الشاي، حملق في الناس يتفحصهم جيداً، فكانوا أشكالاً مختلفة، حتى نادى العمدة وسأله قائلاً: (أبوي العمدة انت سيدنا آدم دا كان عندو نسوان كتار، ولا ياها أمنا حواء بس؟). 

هذا الراعي ببساطته كان يعرف أن كل الناس أبناء آدم، ولكنه لما رأى ذلك التنوع شكك في أن كل هؤلاء الناس أنجبهم آدم من زوجة واحدة، كان يظن أنه لا بدّ أن آدم كانت له زوجات كتار… 

والحقيقة الناس- برغم اختلاف أشكالهم وألوانهم وألسنتهم- من أم واحدة، وأب واحد، هم إخوان في الإنسانية. (كلكم لآدم وآدم من تراب)، هكذا قالت الأديان، وهكذا قال الرحمن. 

والعلم الحديث لم يذهب بعيداً عن ذلك. 

إذن لماذا يتعنصر الناس ضد بعضهم البعض؟ 

ما الأسباب، وما الدوافع؟ 

فإذا عرف السبب يمكن معالجته. 

لذلك أدعو الجميع للتفكير حول العنصرية وأسبابها، فربما نخرج بتشخيص سليم، ومن ثمّ نكتب روشتة الدواء للعنصرية، أو نكتشف دواءً جديداً نقضي به على العنصرية مرة واحدة وإلى الأبد. 

 في السودان يدور حديث كثير عن التنوع، وعن العنصرية في آنٍ واحد. 

وفي الحقيقة نحن شعب متنوع، وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني، بالرغم ما بيننا من مشتركات، ولكن هل التنوع نعمة أم نقمة، وهل نحن الشعب الوحيد المتنوع في هذه الكرة الأرضية؟ 

إذا أخذنا  الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً، نجد أن  البيض جاؤوا من أوروبا مهاجرين، ووجدوا الهنود الحمر، ثم جاؤوا بالأفارقة من أفريقيا، وغيرهم من الناس، واستطاع كل هؤلاء الناس أن يتعايشوا، فإذا كان التنوع نقمة مفترض أن تكون الولايات المتحدة أكبر دولة فاشلة في العالم، لكنهم بهذا التنوع الكبير، استطاعوا بناء أقوى دولة في العالم الآن، رغم مآخذنا الكثيرة عليها، ولكن تبقى الحقيقة أن هؤلاء الناس استطاعوا إدارة التنوع، وحولوه إلى طاقة إيجابية.

إذن التنوع نعمة إذا أحسنت إدارته، فيجب علينا حسن إدارة التنوع، ونبذ العنصرية والكراهية والعنف، وتجريم تلك الأقوال والأفعال العنصرية، واستخدام أفضل الوسائل لمعالجتها واستئصالها. 

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *