نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

• مَنْ مِنَّا لم يُمارس الندم؟! مَنْ مِنَّا لم يمر بذلك الشُّعور حين كنا نُضيِّع شيئاً فنحزن على ضياعِه، ويعوضنا الكبارُ عنه بمثلِهِ، أو بأفضلَ منه، فنهلِّلُ فرحاً يُعيدنا للندم على فقدِنا المُعوَّضِ ظناً بأننا سنمتلكُ المفقودَ والمُعوضَ معاً؟! ويالبراءتنا تلك!! 

كثيرةٌ هي وجوهُ الندم. نتحسَّرُ على أشياءٍ لم نشعر بها حين كانت لنا، ولا نُدرِكُ قيمتها إلَّا بعدَ أن نفقدها. نندم على العُمرِ إن هروَلَ بنا، رغم أن أمنية كل صغيرٍ منا أن يكبرَ. نندم على أُناسٍ خذلوا حُسنَ ظننا فيهم، وآخرينَ نندم على اكتشافِهم ومُصادقتِهم متأخراً. نندمُ على لحَظَاتٍ لم نَهَبَ فيها التقدير لمن يستحق. ونندمُ على كلِّ مرحلةِ حياةٍ لم نستفدْ من مُعطياتِها، ولم نستغلها لتعميرِ الذاتِ والسُّموِّ بها. فهذا الندمُ لا يفيد إن لم تُسرع للَّحاقِ بما تبقَّى لك من أمل. فلِمَ لا نحاول التوبة من خطيئتنا الأولى، أقصد محاولة استرجاع ما قبل الندم وإصلاحه؟ لماذا لا نفرش التسامح لخطواتٍ ندِمتْ على هجرِ دُروب وصلنا؟ ام أننا لا نُجيد سِوى التَّشفِي والبكاءِ على المدلوق؟! حتَّامَ ﻻ نُغيرُ فهمَنا للأشياءِ؟ ومتى سنتَّبعُ خطوات الحُلول تأهباً لطريقٍ لا يقودُ للفقدِ؟ 

وتذكرتُ كلماتٍ سمعتُها كثيراً. مثلاً، حين تخبو الإنارة بإشارةٍ لضعفِ تيارها الكهربي، فإن أولَ ما نسمعه، إن لم نكن من قائليه، (أطفي النور وأفتحو)! وعندما تُعاندُ سيارتك في الطريق، تتَّبع إرشادات نفسك، أو نصيحة حاضرٍ ينصحُكَ بقولهِ (بطلها ودورها)! فماذا يعني ذلك؟ أن نعطي الأشياءَ هُدنة ليستقيمَ حالها، أم أنها فترة إستراحة تهدأ فيها من سُخونةِ التَّحمُل؟! إذن، لماذا لا نترك خلافاتنا لتبرد؟ وكيف نُريد من الزمن أن يثبِّتَ كل شخص في مكانه، بأن تظلَ مشاعرَه وتصرفاتَه كما عرفناهُ بها؟ ولِمَ لا نمتهِنُ الصِّدقَ ونعترفُ بأننا نتغير كثيراً؟ يغيرُنا الوقت. وتتبدَّل مفاهيمنا بنضجِ الأفكارِ والتجارب. تنسلخُ عنا مشاعرُ الرَّهافة حين تجلدُنا سِياط ظلمٍ استغلت طيبتَنا. نحن نتغيرُ في كلِّ العوالمِ، وبكلِّ العواملِ، شكلاً ومضموناً، فكيف نُحاسبُ من تبدَّل عنا، دون محاسبةِ انفسِنا بما أصبنَا به ذاك الذي غادرناه؟ ولماذا لا نبحثُ عن وجعٍ طالَه فبدَّله؟ لماذا نُطفئُ الإنارة والسيارة، خوفاً عليهما، بالوقت الذى لا نحاولُ فيه معرفة سبب مصابهما؟ فقط، (نغلق ونفتح)! هذا ما نفعلُه بكلِّ نقاشٍ، وهذا هو الحلُ المتوفرُ لدينا لأتفهِ الإمورِ وأعظمِها، على حدٍ سواء! وكأننا لا نكترثُ لعُطلٍ قد يعودُ من جديد ويؤدي للتوقف، بما أننا لم نُصلِح أصلَ العطب. 

وابتسمتُ الآن لندمٍ ساوَرني على أنني لم أضع هاتفي على وضعِ الشحن، فالكهرباء، مثل بطارية هاتفي، ضعيفة جداً. فهل كان تيارها فرصة لم أشعر بحاجتي له حين توفَّر؟ هكذا رأيتُ أن الندمَ حالة حسرة على ضياعِ ما لم نتمسَّك به جيداً. وحسرة، بأسف، على من تمسَّكنا بهم وأفلتونا. وفي كلِّ الأحوال، يجب علينا الإبتعاد عن الندم، كي لا نربي فينا بِذرة الخوفِ من القادم، وظنَّ السوءِ بكل ما تهبنا إياه الفرص من حظوظ. لن تندموا إن تسامحتم ونظرتم للأشياءِ الجميلةِ التي كانت لكم من ومع الذين ندِمتُم عليهم. فذَرُوا، ما وَسِعَكم، تذكَّر المؤلم، بما أنه كان لكم معهم من السعادة نصيب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *