حبوبتي العظيمة تواصل الأجيال

417
Izaldin bagori

عزالدين باقوري

كاتب صحفي

• في تسعينات القرن المنصرم، كنت أحد زامر المنجزين تحت إشراف يوسف عبدالفتاح -لحديقة القرشي والساحة الخضراء.
وفي لعب الأطفال الجماعية وقاعة الطفل، أبديت رأي أن تكون متضمنة للحكي وحجا الحبوبات، لإيماني بأن للعب وظيفة ناقلة ومعدة للطفل.
وحدث صراع بيني وبين بعض المشاركين في الإنجاز، الذين انبهروا وأصبحوا نقلة لتجارب الآخرين، بسبب غياب وعيهم بتشبيع الطفل بتليد قيم البيئة والإطار المكاني.
وكتبت في صحيفة “السودان الحديث” موضوعاً عن إعمار حديقة القرشي تحت عنوان (إنجاز حديقة القرشي بين السلب والإيجاب).
وتعرضت لدور الحبوبة في تخصيب ذهن الطفل، وتعميق تفكيره بالتعاطي مع اللغز بالشق الأيمن، وخارج الصندوق، مما يجعله مبدعاً.
ولعلنا اليوم وعينا ذلك، بعد أن صار الطفل أسير معلومات الموبايل، يقتات على فتات موائد ثقافات موجهة لتدميره، وما (أستار أكاديمي) إلا أحد الأدلة الدامغة.
وأكاد أجزم أن عطاء الأجيال التي تعظم عندها دور الحبوبة حين كان بمثابة قادح ذهن الطفل وبانيه،
وكانت رابط تواصل الأجيال الموحية للمحنة والمودة والحنان الاجتماعي، وهي ثاني العمودين بجانب الجد في الأسرة الكبيرة، ناقلة التجربة إلى هؤلاء الأحفاد.
والذين كانوا يتنافسون في الانتساب إليها بمناداتها (حبوبتي) بياء النسب (وأنا ذاهب لناس حبوبتي)، إذ منزل الجد هو النادي والمجمع الثقافي،
في مقابل جيل الموبايل الذي يناديها ب (حبوبتو)، والتي تعلم السامع بأنها حبوبة آخر وليس هو، وقس على ذلك خالو… جدو… عمو… خالتو…
فخرج هؤلاء قطعان تساق، مؤمنين بما تدفع به الميديا ويقاتلون من أجله، بينما الجيل المنتمي للحبوبة المحبوبة كان يُعمِل ذهنه في الخبر، ويتحقق بسبب الدربة التي نالها خلال تحلقه في مجلس الجدة، وهو يتفكر في إيجاد الحل للغز طرحته في معية زمرة أنداد يتسابقون بشرف لنيل الحل الصحيح. ولذا أنتجوا مقولة (دا كلام جرائد ساكت). ومصر في هاتيك الأيام كانت تؤمن بقول الصحف (اهو الجرنال آل كده)؛ لأن صالونات تحرير المرأة أمثال نازلي فاضل وقاسم أمين والاكساندره افرينو، تعاظم عطاؤهم في إفساد المرأة ودورها في طمس قيم المجتمع. أما نحن في إنثربلوجيتنا، فجاء الشعر معلمنا بالتأدب المتناقل بالكبار المبجلين المحترمين المحبوبين. وهاكم الدليل:
يا ريح عرباً لينا مابتجيبي خبارهم
قالت لي معزوزين والليلة نزلوا ديارهم
حليلهم البتواصوا من شين جارهم
حليلهم اللي ضيف الهجوع بقت نارهم
في مقابل جيل الموبايل، الذي ظل يهاتف ردحاً من الزمن: (يا رشا عندي ليك شمار حاااااار )
(شمار مغربل)
جيل السندوتش والجيب الإنجليزي (English pocket) وهذا الشح كان يحارب بكلمة استنكارية، وهي (بقيت من ناس أبو علي عند جملوا )
وشكري لأولاد الموردة – طيب الله ثراهم- الذين تغنوا بقيمة الكرم والشجاعة ضمناً. والقيم المضادة التي بانت في كلماتهم جلية:-
أحبك حب الشحيح للمال
وحب الجبان للروح.
ولدينا في أدبياتنا التي التزم بها الهمباتي المشحون بدور الشجاعة والكرم، وهو الذي يعي أن تحسين الصورة أمر ضروري، وبان ذلك في:
دردرني الفقر لامن بقيت شنكيت
وودني الغبائن لي جبال فرتيت
إما جبت مالاً فرح أم سوميت
وإما في جبال تقلي انجدع ما جيت
وفي
وما نهروني ومن ساعة السؤال قريت
إن بردن نقودا ماني البخيل صريت
وإن حرن بكارا ماهن صفائح زيت.
وهنا يتجلى الفرق بين سراريق جبل عامر وشفشافة المنازل في مقابل الهمباتة تربية الحبوبة. وأبلغ ما يخبر عن ذلك قول ود ضحوية:-
ما بدبا لي عنز الفطيم والشاي
بعرف سوق بكارا دلتهن داداي
وما بتبن الجارة وأخون الحرة
بازل مالي للقاصدني قاعدين بره.
دور الحبوبة دورٌ عظيمٌ، وأعظم ما قرأته لرجاء جارودي في كتابه (حوار الحضارات)، إيراده مقولة العالم حكيم مالي أمادوا همباتي باء (كلما توفي عجوز أفريقي كانت وفاته بمثابة إحراق مكتبة)؛ باعتبار الأدب الشفاهي غير موثق وشارد. ولذا أرى دورها المتعاظم يتطلب دراسة إنثربولوجية مبحوثة باهتمام،
رحاها هي والطفل وقيادته بالحكي والقصص، لتحقيق النماء، وبناء الحضارة على القيم المتوارثة التي نود أن يغشاها نذر غير يسير من ريح العصر والتحسين والتطوير . لأننا لا نربي أبناءنا على شاكلتنا، بل على معطيات البيئة المشبعة بالتليد الحسن من المتوارث، أي اختصاراً نسميه عصرنة القيم التليدة؛ لأننا في زمان حبوبة رشا، وخالتو سالي. وحماده الذي (بوظ) أعصابنا، والذين هم خالو الوفاض وراكبين الراس ومخربين، وصدقت فيهم مقولة برنارد شو (العربة الفارغة تحدث جلبة).
اهتموا يا أهل الشأن بالأجيال؛ لأنها محور برنامج النماء والتقدم.
أفردوا لها ما يشبعها من حب الوطن المستمد من حب الأسرة، التي عمودها جدتي، وتحسسوا المناهج، وتعهدوها بما يصون ويحفظ.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *