جَمهُوريَّةُ امتِدادِ الدَّرَجةِ الثَّالِثةِ ـ (جَميلٌ) له جنتان
Admin 12 يوليو، 2025 102
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• كَانَ امتدادُ الدرجةِ الثالثةِ لمُربَعي 4 و1 بالخرطومِ زحمة من النِعَم والبهجةِ والجمالِ، جَمالُ الأشخاصِ والأمهاتِ والأخواتِ، لم يدفن والداي صرتي في الامتداد، ولكن ناس الامتداد دفنوا هناك صرتي وقلبي وأحاسيسي ومشاعري وشراييني وكل أوردتي، لذلك كانت النيوتنية الشهيرة تجذبني لذلك المكان، وتقول نظرية إسحق نيوتن «إن الأجسام تجذب بعضها البعض تبعًا لكتلتها»، وأقول له صحح تعريفك يا نيوتن، فإن الأجسام تجذب بعضها البعض تبعًا لحبها وعشقها وولهها وتعلقها وإدمانها الريدة وهي علي شديدة.
كانت جمهورية امتداد الدرجة الثالثة بولاياتها مربع 4 ومربع 1 جميلةً بحق، جمهورية الحالمين الضاحكين المبسوطين، متاخمة لحلة (العوراء) برئيسها المرحوم طارق برسي والمقدم جمارك عماد التيجاني والأستاذ محمد حجازي، وكان لمربع 4 رئيس وزراء هو اللواء جمارك لاعب نادي الامتداد عوض ابنعوف، ووزير داخليته المرحوم العميد شرطة عبد الواحد عمر ولاعب نادي الامتداد السابق يرحمه الله، وبقية طاقم الحكومة شهاب أبصوفة وحمدو لاعب الامتداد والهلال بورتسودان، وبابكر كرنديس (الجخس) لاعب الامتداد والموظف الخبير في بنك السودان، والكاتب الصحفي الكبير عامر تيتاوي وميرغني أبقيقة لاعب نادي الزمالك المصري السابق، والفاضل سابل وبدر الدين يعقوب وأحمد بنقوري والفاكهة صلاح الناقة وميرغني يس وحافظ خليل ووليد كرنديس وفاروق الواحة (فيديو الواحة) وسمعة (استديو سمعة) وآل قورتي أصحاب الأيادي البيضاء وجمال وبدر الدين حسن والأستاذ عامر بخيت، وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة لحصرهم، لكنهم كملوا لوحة الجمهورية بحضورهم، هؤلاء قومٌ لتعرفهم وتفهمهم وتهضمهم تعال تفرج على الدافوري في مربع 4 وتعال شوف فريق المواهب الضائعة بقيادة الناقة وخالد سلام وياسر كوبر ومختار، تلك النجوم التي ضلت طريقها للعب في الفريق القومي السوداني كما يتوهمون، تعال دكان عم شريف، تعال دكان بشارة أو دكان اللبن (النان) أو تعال بشارع عم محمود العجلاتي وعمنا المرحوم علي ابنعوف وحاج كامل وعمنا محمد الأمين والد أبصوفة وخطاب، هذا هو الامتداد جمهورية الحب والضحك واللمة والصحبة والرفقة الهلامية.
في هذا الكوكب رجل آخر هو ليس الرئيس ولا رئيس الوزراء ولا عضو في هذه الحكومة، هو من ملائكة السماء التي ترفرف فوق سماء هذه الجمهورية، هو دفع الله محمد سعيد المعروف بـ(جميل) لاعب السودان والهلال السابق. ففي الثمانينيات من القرن الماضي وقف عند بيته صلاح عبد الرحمن (الناقة) – وهو من الجيران – وقال له: دا ابن خالتي وعاوز يعمل معاك لقاء.
كان جميل الجميل في ألقه وقمة شهرته، وزير دفاع الهلال لم يقل أنا ما فاضي ولم يقل تعالوا بكرة ولم يقل أقابلكم وين؟ بل قال تفضلوا، دخلنا بيته الجميل مثله، وأكرمنا آخر إكرام ليس كإكرام السودانيين المعروف، بل بأهم صفات الكرم وهي البشاشة والابتسام والمُبَاشَرة.. فكان مُبَاشِرًا لا مُكَاشِرًا ورد على جميع أسئلتي مع العلم لم يكن اللقاء الصحفي هذا بين رمضان أحمد السيد وجميل ولا بين مزمل أبو القاسم وجميل، بل بين طالب مدرسة صغير السن ليرسل الحوار لمجلة المدرسة المتوسطة في بلدي الحالم الحصاحيصا، ولك أن تقيس فرق المسافات والأعمار، ولك أن تتخيل جمال الرجل الجميل في استكباره حتى للصغار وحتى للطلاب.. رحمك الله أيها الجميل.
جميل لاعبًا وجميل وطنيًا في الفريق القومي وجميل مدربًا داخل وخارج السودان في هويته مكتوب (أنا حق كل الناس)، لذلك عشقه كل الناس العرب والعجم، لم نعرف عنه إلا تبسمه وجماله وأدبه الجم، كان سحابةً تحمل الأمل لفيافي النفوس، وكان نسمةً تشع بالحياة تلهب حماسة الآخرين، وكان نبعًا تدفق في جرداء رمال العالمين.
اللهم أعف عنه فنحن عافون عنه وارحمه فنحن متوسمون القبول منك، واجعل قبره روضةً من رياض الجنة.
جميل عاش في جنة الامتداد ورحل إلى جنة الله، جميل له جنتان.
شارك المقال