جريمة مسجد خديجة في فرنسا… حين يُقتل المسلم مرتين: طعناً وطمساً للحقيقة
Admin 10 مايو، 2025 55
نجيب عصام يماني
كاتب صحفي سعودي
• في صبيحة يوم 25 أبريل 2025، وقعت جريمة قتل بشعة داخل مسجد في بلدة «لا غران كومب» جنوب فرنسا، راحت ضحيتها روح بريئة لرجل مسلم أعزل يُدعى «أبو بكر سيسيه»، من أصول مالية، يعمل في تنظيف المسجد. الجاني، شاب فرنسي يُدعى «أوليفيه هـ»، لا يتجاوز العشرين من عمره، من أسرة فقيرة مكوّنة من أحد عشر ولداً. ارتكب جريمته بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها طقسية، مهووسة، ووحشية؛ طعنه في الرقبة، ثم عاد إليه بعد أن ابتعد لينهال عليه بـ37 طعنة إضافية، بعد أن سجّل الجريمة ونشرها على منصة «إنستغرام» وكأنها لحظة فخر واحتفاء!
لكن الأكثر رعباً من الجريمة نفسها، هو رد فعل السلطات الفرنسية والقضائية، التي سارعت إلى استبعاد أي صبغة إرهابية عن الجريمة، واكتفت بوصف القاتل بأنه «مهووس بالقتل العشوائي»، دون أدنى اعتبار لعوامل التحريض الإعلامي، والعنصرية المتفشية، والإسلاموفوبيا المتصاعدة في المجتمع الفرنسي والأوروبي عموماً.
جريمة مروعة… ومسؤولية سياسية مزدوجة
القاتل لم يكن يعرف الضحية، نعم. لكن الجريمة لم تكن مجرد «صدفة»، بل وقعت داخل مكان عبادة مسلم، على يد شاب أبيض، اختار ضحيته حين رآه يؤدي شعائر الإسلام. ومجرد تصوير الجريمة ونشرها على منصة عامة يجعلنا أمام عمل دعائي تحريضي بامتياز. فما الذي ينقص لتعريف الجريمة بالإرهاب؟ هل كان يجب أن يعلن ولاءه لداعش ليُعتبر إرهابياً؟ أم أن الإرهاب في العقل الأوروبي لا يُعترف به إلا إذا كان الفاعل مسلماً؟
إن مجرد إنكار الطابع الإرهابي في هذه الجريمة هو بحد ذاته تواطؤ رسمي، وتمييز فجٌّ في التعاطي مع الجرائم على أساس ديني وعرقي. فلو كان الضحية أوروبياً والقاتل مسلماً، لرأينا فرنسا كلها تنتفض، وتشعل العواصم الأوروبية أنوارها حداداً، وتغلق حدودها خوفاً من «الخطر الإسلامي».
تحليل نفسي وقانوني للجريمة
وصف المدعية العامة «سيسيل جنساك» للقاتل بأنه «مدفوع برغبة مهووسة بالقتل»، يطرح تساؤلات خطيرة:
لماذا دخل المسجد تحديدًا؟
لماذا استدرج الضحية ليُصلي له ثم طعنه أثناء السجود؟
لماذا صوّر الجريمة ونشرها؟
لماذا فرّ ثم سلّم نفسه بعد يومين؟
كل هذه السلوكيات تدل على نية واضحة، واختيار واعٍ للضحية، وطريقة قتل ذات رمزية دينية قوية: مسلم في بيت الله، يُقتل وهو راكع في صلاته، والقاتل يُشهر فعله أمام الناس.
أي قراءة علمية جنائية، لا يمكن أن تفصل هذا الفعل عن دوافع الكراهية الدينية، والتطرف اليميني، الذي تُغذيه أطراف إعلامية وسياسية معروفة في فرنسا، على رأسها تيارات اليمين المتطرف التي لا تكف عن شيطنة المسلمين، واتهامهم بالتطرف، في حين تُبَرّأ هذه التيارات من نتائج خطابها التحريضي حين يُترجم إلى دم.
هل نحن أمام معايير مزدوجة؟
للأسف، نعم. في فرنسا، العدالة ليست عمياء دائماً، بل تُغمض عينها حين تكون الضحية مسلماً، وتفتحها في أقصى اتساعها حين يكون الجاني مسلماً.
وفي أوروبا، يبدو أن كلمة «إرهاب» محجوزة فقط لمن يحمل اسماً عربياً أو خلفية إسلامية، أما بقية الجرائم فهي «أعمال فردية» أو «حالات اضطراب نفسي»!
رسائل مفتوحة إلى الضمير العالمي
إلى فرنسا الرسمية، إن التستر على هذه الجريمة، أو تمييعها قانونياً، لن يخفي الحقيقة. الجريمة إرهابية، والقاتل متطرف، وخطاب الكراهية الذي ينمو في مؤسساتكم وإعلامكم هو المحرّض الأول.
إلى المجتمع المسلم في أوروبا: لا يكفي الاستنكار. يجب التحرك قانونياً وسياسياً لتوثيق هذه الجريمة، ودفعها إلى المحاكم الدولية إذا لزم الأمر.
إلى المنظمات الحقوقية الدولية، آن الأوان لتكون العدالة شاملة لا انتقائية، فدم المسلم يجب ألا يكون أقل قيمة من غيره.
إلى العالم العربي والإسلامي، كفانا صمتاً. الجريمة لم تقع في الخفاء، بل صُوّرت ونُشرت. وحين يُقتل المسلم وهو يصلي في محرابه، يجب أن تتحرك العواصم لا أن تصمت.
لا تقتلوا الضحية مرتين
أبو بكر سيسيه قُتل طعناً، ثم قُتل تمييعاً. وإن لم نسمِّ الأمور بمسمياتها، فإننا نشارك في الجريمة بصمتنا. فلتكن دماء هذا الرجل المظلوم صرخة في وجه العنصرية والإسلاموفوبيا، ومنارةً تفضح النفاق الحقوقي في الغرب، وتعيد تعريف الإرهاب بعد أن اختطفه الإعلام والسياسة.
شارك المقال