جدلية العقل والإيمان

254
معاذ أحمد طه ت

معاذ أحمد طه

كاتب صحفي

• (سورين كيركجارد) عالم وفيلسوف وجودي، دينماركي الجنسية، يعد أبا الفلسفة الوجودية، ومع ذلك فهو مسيحي مؤمن، كما درس القرآن الكريم، ولديه الكثير من الكتب والمؤلفات في فلسفة الأديان. 

في كتابه (خوف ورعدة) تناول جدلية العقل والإيمان والتناقضات بينهما، حيث يرى كيركجارد أن أمور الإيمان لا يجب أن تقاس بميزان العقل، لأنها ستبدو غير معقولة ولا يقبلها العقل والمنطق، لذلك نجده يسمي الإيمان باللامعقول واللاعقلي، وإن الإيمان عنده يبدأ عندما ينتهي العقل، ويستطرد كيركجارد أن الإيمان أشبه بالقفز مغمض العينين في هاوية سحيقة، أو هو (الجنون الإلهي) كما يشبهه قدماء الإغريق.

هذا وقد استدل على صحة فرضياته هذه بقصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل في القرآن الكريم، فبعد ما أنجى الله سيدنا إبراهيم من الحريق هاجر من قومه طلباً للتوحيد، وسأل ربه الذرية الصالحة، فكان أن رزقه الله ابنه إسماعيل، ففرح به فرحاً شديداً، ولما بلغ معه السعي، أي صار يمشي معه ويتبعه – ويقال إن هذه المرحلة هي التي يشتد فيها تعلق قلب الأب بولده الصغير – كانت المفاجأة والامتحان الصعب، إذ أمره الله أن يذبح ابنه إسماعيل (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام اني أذبحك، فانظر ماذا ترى)، يقول كيركجارد إن مثل هذا الطلب بمقياس العقل والمنطق يعد ضرباً من الجنون المطبق، ولكنه الإيمان والذي لا يفهم ويستوعب عند إعمال العقل والتفكير به، ولأن قلب سيدنا إبراهيم كان عامراً بالإيمان والثقة بربه، فإنه لم يتردد في تنفيذ الأمر، وأخبر إسماعيل بذلك، لتأتي مفاجأة أخرى أن الابن لم يخف أو يجزع، وطلب من والده أن يفعل ما يؤمر طالما أن الأمر من الله، فكان أن زاد ذلك من رباطة جأشه وثبات إيمانه (يا ابتي افعل ما تؤمر ، ستجدني إن شاء الله من الصابرين).

يقول كيركجارد إن سيدنا إبراهيم فوض أمره لله، وربط قلبه عن تعلقه بولده الصغير، فشحذ سكينه وأعد متكاءه للذبح، وهنا تتجلى قوة الإيمان وروعته في أبهى صورها كما جسدها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، (فلما أسلما وتله للجبين).

ولكن لأن الله أرحم بعباده من الأم بولدها الصغير كما جاء في الأثر (لا الله أرحم بعباده من هذه بولدها)، كانت المفاجأة الأخيرة والسارة ، أن أمر الله جبريل أن ينزل إلى الأرض حاملاً معه كبش الفداء ليذبح بدلاً عن الصغير إسماعيل، رحمة به وبأبيه الشيخ الكبير سيدنا إبراهيم، بعد أن صدق الرؤيا واجتاز أصعب امتحان يمكن أن يتعرض له بشر من المخلوقات، والذي ما كان له أن ينجح فيه لولا قوة وثبات إيمانه وثقته بالله، (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزي المحسنين).

لتكون قصة سيدنا إبراهيم أكبر معجزة في التاريخ الإسلامي القديم والحديث.. وأصبحت ذكرى الفداء مناسبة يحتفل بها المسلمون كل عام.. ونحر الذبائح تقرباً لله عز وجل.. 

(اللهم إنا لا نمن عليك إسلامنا، ولكن أنت تمن علينا أن هديتنا للإيمان). صدق الله العظيم.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *