• ها هو ذا.. طفل غزة، يُمسك في كفه اليابس ثلاث حبات مكرونة، كأنما يفرد راحته على تساؤلات عديدة لا يجد لها إجابة، أو كمن يعثر على كنز مدفون بعد قرون من الخذلان! ينظر إليها بعينين تشبعتا بالكلال ولها ألف معنى، وكأنها أول لقمة تزور فمه منذ أن خرج إلى هذه الدنيا التي تسمى – سخرية – (عالم الإنسانية). والماعون المنتفخ بالشبع الزائف أمامه، يختم شهادة صمت على أن الجوع هنا ضيف دائم، والإنسانية زائر عابر!
أما العرب.. فما أسخى صمتهم! وما أعظم هدير بطونهم المليئة، وهم يشربون القهوة في أمان، ويقلبون القنوات بحثاً عن رفاهية تسليهم قبل النوم! وأغاني تطربهم بعد الهناءة، ويخفون الجريمة بالأزاهر والشفوف.. بما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء.. ويغلقون مسجدهم لزيارة نجسة تدوس على بساط الطهارة… صمت برسم الخيانة، لكنه – بالطبع – (صمت ديبلوماسي)، أو (موقفٌ حكيم) ينتظر (التطورات)! وكأن أطفال غزة ليسوا سوى (شجب) عابر في شريط الأخبار، يظهر ما بين الطقس والإعلانات، حيث لا ذروة تُبتغى !
ويا للعجب! المجتمع الدولي الذي لا يمل من ترديد (حقوق الإنسان) كنشيد الصباح، ها هو يبدع في اختراع التعريفات! فحقوق الإنسان – كما يبدو – تطبق على كل البشر، إلا إذا كانوا من غزة! عندها تتحول الحقوق إلى كلمات متراخية على الورق، وإلى خطب رنانة في أروقة الأمم المتحدة، حيث توزَّع الشعارات كحلوى، مليحة التغليف، في حفل خيري، بينما تُوزَّع القنابل على بيوت أهل غزة كوجبات سريعة!
والطفل؟ آه.. الطفل ما زال يحدّق في حبات المكرونة الثلاث، كأنه يحسبها آخر عجائب الدنيا السبع! لا يدري أن العالم من حوله (متحضر) لدرجة أنه اخترع صواريخ تدك بيته، لترميه على بيت الأرض، فتترك خوفه في مقابر الغفلة، ثم يرسل لهم حبيبات مكرونة كـ(تسكيت) لصراخ البطون و(تبكيت) لنضوح جهيرتهم يوماً ما! فسبحان من جعل الضمير الإنساني كالمكرونة.. طرياً يذوب في ماء الحسرات!
فيا سادة، هنيئاً لكم بغدائكم الدسم، بينما أطفال غزة يتعشون على قصاصات الأخبار، ويرشفون كؤوس العار! ويا ليت صمتكم كان جوعاً.. فلربما … ربما اكتشفتم أن لكم بطوناً تسغب!