ثقافة الحرب وصحافة الحرف

22
العجب عبدالكريم

العجب عبدالكريم العجب

كاتب صحفي

• يختلف ضل هذا الأسبوع عن سابقيه، وكما أشرت لكم أحبابي في بدايات لقائي بكم، أوضحت أن الضل عندي قد يكون سقف غرفتي أو ضل الشاتي، الذي يتكون عند جنوح الشمس في مدارها جنوبًا، مخلفًا ذاك الضل الذي عند ظهوره يتيقن السودانيون دخول فصل الشتاء، وضلّه الذي يطيل العمر حسب زعمهم الموروث.

في ضلي لهذا الأسبوع، عمر بيتي بزيارة أرحام لي، ومعي أطفال ما أحلاهم، والبراءة تشع منهم. وبطبيعة الأسرة، نحتفي بالضيف ونحيل الاحتفاء حفلًا، ولو معيتهم أطفال لعشقنا لهم. اعتدت أن أشاركهم لعبهم عند كل زياراتهم، إلا أن هذه المرة آثرت أن أمنحهم مساحة للحرية، خاصة وأنهم عانوا قبل خروج الأوباش كبتًا ورهبة.

فضلت متابعًا، وكلي تركيز، ودواعي تركيزي كانت من تلك المفردات المتبادلة بينهم، وبتجاوب يثير الدهشة. إذ بدأوا في ترتيب أنفسهم بطريقة فيها صرامة العسكرية وتعليماتها، كأنما تمام الصباح في إحدى الوحدات العسكرية.  وما أثار دهشتي، من أين لهم بخبرة الترتيب والحزية؟! وفاجأتني أكثر تلك اللغة التي تحاوروا بها، فقال قائدهم الذي لم يتجاوز الثامنة كثيرًا: «هيا كلاشك في كتفك وصدرك فوق». ما مارش، انتبهوا لوجودي، وحتى لا أخرجهم من جو اللعب، سألتهم: «الجيش ماشي وين؟» أجاب أصغرهم: «عندنا اشتباك في طريق السفر». وتحركوا، وتعليمات قائدهم تحركت معهم، وأخذ صوته ينخفض تدريجيًا. سرت فيني رعشة ورهبة يتخللها إعجاب، رهبة من تحشيد مفردات المعارك والتقتيل عند أطفالنا أحباب الله، وهم في مراحل تكوين الشخصية وخصوبة العقول لبذر المعرفة والتعلم.

وإعجابي بأن إحساسهم بالأمان عمقته مكانة العسكرية بالحماية والمبادأة. لكن واهًا من لكن هذه، نزع البراءة من الأطفال وتقليص أفق الخيال عندهم سوف يفرز أجيالًا يصعب كبح جماحها. لذا، لا بدّ مع استهلال العام الدراسي هذا أن يخضع هؤلاء الصغار لحصص من معالجين نفسيين، لخلق توازن نفسي يمكنهم من الاستيعاب. سرحت وأنا أفكر في مستقبل أجيال الحرب، الذين ظلوا بين الميدان والإشاعة وتناقض الساسة والسياسة، ضائعين. وبين ضحالة المفردة عند بعض الصحفيين، الذين بدلًا عن أداء دور السلطة الرابعة، صاروا في زمرة متعصبي تشجيع كرة القدم، فأضحوا بين تيارين لا للحرب وبل بس، فظهرت ركاكة المفردة ودخلت سوقها (جغم وفتك وفزاعة ومتك، ولغة تخللتها مفردة سقط عنها الحياء، أعفُّ عن كتابتها).  وشبهة التجريم وعند بعضهم تهمة التجريم، وصحفيي بنكك وأرزقية وتجارة الأزمات، وتأثر بها المجتمع أيما تأثير، وقسموه بين من ينشد السلام فهو قحاتي ومتعاون، ومن يدعو إلى اجتثاث المليشيا فهو كوز. فهل نصّبوا من أنفسهم رعاة تفكير وبوصلة لقناعات شعبهم؟ شعبهم الذي ظل ينتظر دورهم التوعوي والرقابي.

إفرازات هذه الحرب أشدها إيلامًا هي فقدان الهوية والانتماء والثقة.  رجاءً، أوقفوا صب الملح على الجراح، حتى نكتفي بالبكاء على بارا والفاشر إنسانًا ومدنًا لا على إنسانك يا وطن.

ودي إلى لقاء في براحات ضل أرحب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *