• إن مفهوم العدالة الانتقالية حديث الظهور، إذ إنه ارتبط أساساً بمعالجة قضايا الخرق الخطير والتجاوزات التي تتعرض لها حقوق الإنسان خلال الصراعات والأوضاع الناتجة عن العنف، واستعمال القوة في المجتمعات التي هي في طور التحول الديمقراطي، إذ إنها تهدف بالأساس إلى استعادة السلم المدني، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، فهي تحتاج إلى عدالة متعددة الأبعاد: قضائية تحقق سيادة القانون، وتصحيحية ترمم جراح الماضي، وتوزيعية تتصف بإعادة توزيع الثروات.
ويمكن تعريفها بأنها مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تقررها بلدان مخلتفة، لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أوقات النزاع المسلح، وهي عدالة انتقال أو انتقال عدالة تتطلب بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية، والسعي لجبر الأضرار لضحايا انتهاكات الحروب، وتحقيق مصالحة وطنية واجتماعية شاملة، بالإضافة إلى أن اتخاذ تلك الإجراءات يعني أنها جزء استباقي حمائي، تحسباً واتقاءً لأي انزلاقات على الصعيدين الأمني والاجتماعي.
أهمية العدالة الانتقالية
تتمثل في تبيان حقيقة ما حدث من انتهاكات، وإثباتها بأدلة قاطعة، والاعتراف بمعاناة الضحايا وآلامهم، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات قانونيًا، وجبر الضرر، وما يقتضيه من تعويض ذوي الضحايا، ووضع أسس وقوانين تفضي إلى منع الانتهاكات في المرحلة الانتقالية والمستقبل. فضلًا عن أنها الطريق لإنجاز المصالحة المجتمعية، وتضميد الجروح الاجتماعية
التحديات
إن تطبيق نظام العدالة الانتقالية في السودان بعد انتهاء الحرب، يواجه تحدياً كبيراً بالنظر إلى تنوع الشعب السوداني، وتعقيدات الحرب الدائرة حتى الآن، حيث خلفت عدداً كبيراً من الضحايا، لذلك يجب مراعاة كافة الظروف السياسية والاجتماعية عند تطبيق أهداف العدالة الانتقالية، وبشكل يتلاءم تمامًا مع الواقع المتشابك والمعقد الذي عاشه الشعب السوداني.
كما أن التحدي الأكبر الذي يواجه التطبيق، محاكمة المتورطين في العنف السياسي والعسكري، وبما يفضي إلى تحقيق العدالة، وضمان الاستقرار في الوقت نفسه، الأمر الذي يعقد عملية الانتقال السياسي، وذلك لما تحتويه العدالة الانتقالية من آليات وإجراءات معقدة في المحاكمات الجنائية،
ومن بين التحديات، الموازنة بين العدالة الإجرائية والموضوعية، والأولى تركز على ضبط آليات العمل بما يحقق العدالة، فيما الثانية تركز على المخرجات والنتائج. إذ لا بد من الالتزام بالأسس النظرية، والأخلاقية، والقانونية، والسياسية، والاجتماعية، من أجل إنشاء محاكم محلية تحظى بدعم دولي، ولضمان عدم تسييس المحاكمات.
وفي الختام بما أن الهدف السامي للعدالة الانتقالية هو تحقيق مصالحة اجتماعية ووطنية شاملة تحقق الاستقرار، فمن الأهمية بمكان تطبيقها رغم التحديات.