• التسرّع في اتخاذ المصير والاستعجال لمسابقة الزمن هي أحلام وهواجس تُداعب عقولنا، تلك التي لا تهوى إلّا تحقيق الآمال العالقة وإن كانت صعوبتها تفوق الواقع أحلاماً.
في إحدى القُرى تقف فاطمة الفتاة الجميلة- التي يُقارب عُمرها منتصف العشرينيات- في ذاك المطبخ المتواضع وهي تتمتم مع نفسها بسؤال (أعمل ليهم شنو الفطور دا يا أخوانا؟!) قبل أن يأتي زوجها غاضباً من مزرعته التي تبعد كيلو واحد عن بيتهم، ناهيك عن أبنائها الذين يفضلون وجبة الإفطار من صنيع والدتهم على الأكل بجوار المدرسة.
شدّت رحالها إلى أقرب دُكّان مجاور، تبحث لشراء حاجيات لعلّها تُسعفها في إعداد مائدة للفطور تليق بالجمع الكريم، في أثناء سيرها صادفت (بتول) تلك المرأة الثرثارة ذات الصوت الجهور (اللي ما عندها لا شغلة ولا مشغلة)، حاولت المراوغة منها قبل أن تلتقطها عينها ذات الاستشعارات القوية وهي تضيف: (تعالي هنا يا فاطنة عندي ليك شمااااار حاااار من ناااارو). استسلمت لقضاء ربها وهي تتجه إليها ببطء، مُتثاقلة الخُطى في نبرة غضب مخفية قائلة:-
– (اها يا بتول في شنو)؟ ووضعت يداً على يد.
– الكلام دا أخير نقولو جوا، هنا الهواء ليهو اضنين!
دخلت معها متناسية تماماً إعدادها لوجبة الإفطار، وما إن دخلا الغرفة حتى أغلقت الباب بعد أن راقبت أن لا أحد بالخارج، وأردفت قائلة (سمعت إنو ود الضي قالو داير يعرّس)!
سألتها فاطمة دا منو دا ود الضي؟! أتبعتها بتول بعد أن تلاعب فمها يُمنة ويُسرى مع حركة اليدين في توافقٍ تام وهي تقول ما عرفتيهو دا منو؟!
وقبل أن تُجيب بتول عن سؤالها، وفوراً غادرت، وكاد أن يُجنّ جنونها وهي تقول (دا الفضل والله) والله كان يعملا إلّا أغطّس حجرو! وأخذت تتمتم بكلامٍ كثير دون أن تترك الفرصة لأن تكمل شمارها الحار.
وقالت في نفسها يبدو أنّني أنا المخطئة، لقد تركته يتمادى ويتحدث مع الكثير من الفتيات، كنت أثق به ثقة عمياء، عادت أدراجها إلى المنزل، ولم تشترِ أيّ شيء خلاف ما كانت تنوي عليه.
وعند وصولهم إلى المنزل وجلوسهم حول مائدة الإفطار تعجّبوا جميعهم، أنّ المائدة فارغة من الطعام بحجة إضراب عام!
ليأتي إليها أبوها مُهرولاً إلى المطبخ وبنبرة حادّة قال
– دا الشنو العملتيهو يا بنت؟ الليلة إنتي نسيتي إنو خطيبك (ود الضي) جاي يفطر معانا؟!