
محمد المهدي الأمين
مستشار التحرير وكاتب صحفي
• في لحظة انقطاع الكهرباء بفعل المسيّرات التي ضربت المحولات، وفي اليوم الثالث للمعاناة من انقطاع المياه، وقد تجاوزت الحرارة الأربعين درجة قبيل المغرب بقليل، وقد وصل سعر لوح الثلج إلى 20 ألف جنيه لدى البائعين ذوي القلوب الرحيمة، أما عند تجار الأزمات ومستغلي الفرص لجني الأموال على حساب المحتاجين، فقد تجاوز الثلاثين ألفاً، فأصبحت الأمنية الأولى في تلك المناطق المنكوبة بحرب هدفها أن ننعم بالديمقراطية وهي تستهدفنا نحن ومنشآتنا المدنية، أن نجد ماء للشرب، أما كونه بارداً فذاك ترف لا سبيل إليه ولا يستطيعه كثير منا.
في ظل هذه اللحظات غشيني النعاس، فاستسلمت لغفوة، رأيت خلالها أنّ العالم حدثت به تنقلات لبعض الشعوب إلى دول أخرى، من أجل منح فرص أكبر للشعوب التي لم تنعم بالاستقرار والأمن والعيش الكريم والرفاهية، لينعموا بها في البلاد التي نقلوا إليها، خصوصاً أنّ النقل يتم إلى بلاد تحظى بالأمن، والاقتصاد المزدهر، وببنية تحتية جيدة، واستقرار تام.
رأيت أن مواطني كوريا نقلوا إلى السودان، والسودانيين كان وطنهم الجديد كوريا الجنوبية. وهي دولة لها مميزاتها التي تبشّر بأن الوضع سيكون أفضل مما كان عليه.
– هناك 8 مدن خاصة من المستوى الأول في كوريا الجنوبية وهي: بوسان، دايجو، دايجون، غوانغجو، انشيون، سيجونغ، سيول وأولسان.
– تمتلك كوريا الجنوبية اقتصاداً ترتيبه الخامس عشر عالمياً، وفقاً إلى الناتج المحلي الإجمالي، والثاني عشر وفق تعادل القدرة الشرائية، وهي ضمن مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم.
– يشهد اقتصاد كوريا الجنوبية نمواً سريعاً منذ ثمانينيات القرن الماضي، دون أي بوادر تباطؤ. وتحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزاً 1.67 تريليون دولار أمريكي في عام 2022.
– يهيمن قطاعا الخدمات والصناعة على الاقتصاد، بينما تُشكل الزراعة جزءاً يسيراً.
وقد بدأت كوريا الجنوبية بوصفها اقتصاداً قائماً على الزراعة في ستينيات القرن العشرين، لتصبح واحدة من أكبر 14 اقتصاداً في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 1.71 تريليون دولار في عام 2023 بزيادة 2.32% عن عام 2022.
عرض الكوريون قبل تسليم البلاد الإبقاء على بعض المستشارين الكوريين لمساعدة السودانيين في مرحلة التسليم والتسلم، إلا أن الكوريين الجدد من أبناء السودان، رفضوا رفضاً قاطعاً هذا العرض، وعدّوه ارتهاناً للأجنبي، مستنكرين فكرة أنهم بحاجة إلى (مربّين أجانب) لإدارة بلدهم، معتبرين أن خبراتهم الذاتية كافية بل وأفضل من كل ما يقدمه (المستعمرون الجدد). وأكدوا قدرتهم على إدارة كوريا (الجديدة) وتطويرها لتصبح أفضل مما كانت عليه.
بعد الاطلاع على المميزات، غمرني التفاؤل، وأيقنت أننا مقبلون على حياة رغدة، وعيشة لا ضنك فيها ولا معاناة.
تسلّم كل شعب أرض الآخر، وبعد فترة قليلة من التعرف إلى البيئة الجديدة والتأقلم، أطلق مواطنو كوريا الجدد صافرة بداية العمل. وكذلك فعل مواطنو السودان الجدد.
فماذا حدث لكوريا الجديدة؟
-رفض كثير من المواطنين المدن التي وطِّنوا فيها، وظهرت حركات مسلحة تتحدث باسم المهمشين رافضة التقسيم، مطالبة بحق تقرير المصير.
-فتح التجار محالهم، فزارهم موظفو الدولة لتحصيل رسوم الرخص والضرائب والزكاة والنفايات، وطالبوهم بالتبرع للاحتفال بعيد الانتقال. فأغلقت المتاجر، واختفت بعض السلع وبدأ ظهور السوق السوداء.
أما العاملون بالراتب فقد زادت معاناتهم، فالراتب الذي كان يكفي نصف شهر، صار لا يكفي أسبوعاً، فهدّدت النقابات بالإضراب، وحدّدت مدة شهر للحكومة لزيادة الرواتب أربعة أضعاف، وإلا ستعلن العصيان المدني.
تدهورت الأوضاع سريعاً، وتكدست النفايات في شوارع المدن، خصوصاً أن الخريف فاجأ المسؤولين، فلم يتمكنوا من فتح المجاري لتصريف المياه، التي ملأت الطرق، وصارت الحركة بطيئة. فتوقفت المصانع والشركات والإدارات عن العمل، لأن العاملين لم يتمكنوا من الوصول إلى مقار عملهم.
مشاهدات
– انتشرت في الأسواق والأحياء والحدائق بائعات الشاي والقهوة، والأكل البلدي.
– توقفت معظم المصانع وخصوصاً الصناعات الثقيلة.
– تواصلت الاحتفالات واللقاءات الجماهيرية بمناسبة عيد الانتقال.
– اندلعت المعارك بين الحكومة والمتمردين في عدد من المدن.
– بدأ الوسطاء السعي لجمع الطرفين لبداية التفاوض.
– وصول مواد إغاثة عاجلة للمتأثرين بالأمطار، والنازحين بسبب الحرب. أما المنتقلون إلى السودان، فقد دهشوا لما وجدوه من مساحة شاسعة، وأراضٍ خصبة، وثروات مهولة، فنظموا شؤون الحكم سريعاً، وأطلقوا على البلد اسم الولايات المتحدة السودانية، وانصرفوا جميعهم إلى العمل، وأقاموا جسراً جوياً لنقل الإغاثة إلى كوريا الجديدة.
– وما مرت سوى سنوات تحسب على أصابع اليد الواحدة، حتى كانت الولايات المتحدة السودانية، من أقوى الاقتصادات في العالم، وصارت عضواً في مجموعة العشرين، ومنتجاتها الزراعية والصناعية تغزو العالم تحت ختم (صنع في الولايات المتحدة السودانية). قال الشاعر نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
وأقول بتصرف
نعيب بلادنا والعيب فينا
وما لبلادنا عيب سوانا.
شارك المقال