
م. معتصم تاج السر
كاتب صحفي
• في زمنٍ تتناقص فيه الأنفاس على وقع الرصاص، وتضيق فيه الصدور بما حملتهُ الأيام من وجع…
ما أحوجنا أن نلوذ بالودّ القديم…!
ذاك الذي جمعنا يوماً بلا شروط وضمّنا في ظلاله الطيبة، وحين كنا لا نُحصي الزلات بل نغفرها قبل أن تُقال…!!!
يا أهل السودان، يا قلباً لا يزال حيّاً رغم النزف…
إن هذه الحرب ما تركت بيتاً إلا وفيه وجع، وما من قلب إلا وقد ناله الحزن، ولا من صداقة أو علاقة إلا وقد عصفت بها المسافات أو شظايا الفقد.
فما أجمل أن نلتمس لبعضنا ألف عذر، وأن نُحبّ برفق، ونصفح برحمة، ونتجاوز بصبر.
إن تقصير الأحباب ليس بالضرورة خذلاناً…!
وربما لو رأينا ما أصابهم لعذرناهم ألف مرة.
فمنهم من يُقاتل من أجل البقاء، ومنهم من يفترش النزوح ويلتحف الغربة، ومنهم من يخبئ ألمه خلف ابتسامة قصيرة على شاشة هاتف.
تذكّروا «الودّ القديم»، ذاك الذي بُني على القُربى والعيش والملح والمُلاح وصحن الكسرة المليء بالمحبة.
وعلى الذكريات بحلوها ومرها، ورسائل العيد المكتوبة بخطّ اليد، والضحكات التي كانت تملأ البيوت قبل أن تملأها أصوات القصف والمسيّرات.
فلنغفر ونسامح…
فلتغفر الأمهات ويسامح الآباء تقصير من أحبوهم وإن قصّروا،
ولينزل الله على الأبناء سكينة البر في آناء الليل وأطراف النهار.
ولتحتمل الزوجة زوجها بحبٍّ لا يكلّ، وليحمل الزوج زوجته على ألف محمل من الحنان.
ولتتغافل الأخوات عن زلات إخوانهن، ويتراحم الإخوان في ما بينهم.
وليصبر الأبناء على تقلبات الزمن والقلوب.
فلنُحِبّ ونتحانّن ونتجاوز، فما من أحد منا إلا وهو مثقل، وما من قلب إلا وفيه تعب لا يُقال.
فليكن أي لقاء فرصةً ذهبية، نغسل فيها القلوب من غبار الحرب والشتات…!
فلنجعل من كل لقاء موعداً لعودة الودّ القديم، وللتمسّك بعلاقاتنا كما عرفناها قبل أن تسرقها العاصفة.
ولنقف عند تاريخنا الجميل مع من نُحِبّ عند اللحظات التي سبقت الحرب…!
تلك اللحظات التي فيها ألف سبب للوفاء، وألف بهجة لا تُشترى والكثير من الوجوة التي لن تنسى.
دعونا نعيد بناء ما هدمته الحرب…!
لا مباني وطرقات فقط، بل علاقاتنا وأرحام وأيضاً دفئنا الإنساني ونياتنا الطيبة.
فلنمسك بأيدي بعض، نعتذر لمن أخطأنا في حقه، ونغفر لمن قصر في حقنا؛ فربما لا تسنح لنا الحياة بفرصة ثانية لنقول: «آسفين…!! وأعفوا مننا …!! نحنا ما نسينا ودّكم القديم»…!!
السودان بلد لا يحتمل الضغائن، ولا يليق بأهله إلا المحبة.
فكلما قسَت علينا الحياة لِنّا لبعضنا.
وكلما اتسعت رقعة الألم ضاقت بيننا المسافات وعدنا نغني لبعض:
«لسه ودّك باقي فينا مهما جارت الدنيا بينا».
فيا أهل الودّ تمسّكوا بالذي بينكم. فإن زلّت أقدامنا في الحاضر، فالودّ القديم وحده كفيل بأن يُعيدنا إلى جادة القلب.
ليكن هذا الودّ القديم مثل نسمةٍ تمرّ على جرح القلب فتسكّنه، ومثل قُبلةٍ من ذاكرةٍ بعيدة، تعيدنا نحنُ إلى أنفسنا قبل أن تُرهقنا الحروب والخذلان.
فلنزرع في دروبنا ورد التسامح، ولنجعل من كل كلمة طيبة غصنَ زيتونٍ جديداً يُعانق الغيم فوق هذا الوطن الحبيب.
اللهم ألّف بين قلوبنا كما ألّفت بين الماء والطين واهدِنا إلى دروب العفو.
اللهم اجعل السودان أرضَ ودٍّ وسلام.
واجعل في قلوبنا من الرحمة ما يداوي التعب، ومن الأمل ما يُنبت الغد الجميل.
اللهم احفظ الودّ القديم فينا ما حيينا… آميييين.
وُدِّي وسَلامي،،،
شارك المقال