الهويّة العربية الأفريقية في الشعر السوداني… محمد مفتاح الفيتوري نموذجاً ( 1)
Admin 24 مايو، 2025 405

د.الباش أحمد آدم برشم
أستاذ مساعد في الأدب العربي
مدخــل
• منذ عهد قديم حاول الشعراء السودانيون التمسك بطابع عام وشخصية متفردة للشعر السوداني تبين هويته؛ وذلك لأن قيمة الأمة أو شخصيتها أظهر ما تكون في آدابها قبل كل شيء آخر، وكلما ارتقت آداب الأمة سمت مكانتها.
ومن أجل السعي لتحقيق هذه المكانة نادى المحجوب «بتوجيه الحركة الفكرية في صوب المثل الأعلى والذي يعني أن تكون حركة فكرية تحترم شعائر الدين الإسلامي وتعمل على هداه وأن تكون عربية المظهر في لغتها وذوقها مستلهمة من التاريخ لهذه البلاد، الماضي والحاضر مستبقية بطبيعتها عادات وتقاليد وأخلاق أهلها متسامية بكل ذلك نحو إيجاد أدب قومي صحيح». كما نادى حمزة الملك طمبل إلى مفهوم للأدب السوداني يحمل في مكوناته الإنسان السوداني وخصائصه الثقافية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية، لأن موضوع «الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه، موضوع جليل خطير يجب أن يهتم به كل كاتب ومفكر وذلك لأن قيمة الأمة وشخصيتها أظهر ما تكون في أدبها قبل كل شيء آخر».

ويستطرد طمبل منادياً بإبراز صورة صحيحة للأدب السوداني ومبيناً مقصده من البيئة والحياة بنواحيها المتعددة بالقول: «نريد أن يكون لنا كيان أدبي عظيم، نريد أن يُقال عندما يَقرأ شعرنا من هم في خارج السودان: أن ناحية التفكير في هذه القصيدة أو روحها تدل على أنها في السودان، هذا المنظر الطبيعي الجليل الذي يصفه الشاعر هي حالة السودان هذا الجمال الذي يهيم به الشاعر هو جمال نساء السودان … حتى الشلوخ والوشم. نبات هذه الروضة أو هذه الغابة، التي وصفها الشاعر ينمو في السودان».
وتحدث محمد المكي إبراهيم قائلاً: «لا نقول لا لعروبتنا ولا لأفريقيتنا. نقبل الاثنين معاً، ليس كمخادعة أو لغايات ميكيافيلية تهدف للإبقاء على الجنوب داخل حظيرة الوطن، وإنما لوجه الحقيقة ووفاء بحق أعراقنا المختلطة التي لا نرى فيها ما يشين. وإذا شاء الجنوب أن يتخلى عنّا ويذهب في حال سبيله فإننا سنظل نواجه العالم بآفروعروبتنا، بأصولنا الخلاسية وتفردنا الثقافي. ولن تستطيع مستجدات السياسة أن تجعلنا نحيد عن نداء الدم والوفاء لتلك الأصول».
هؤلاء الشعراء لا يريدون للأدب السوداني أن يظل مجرد تابع ومقلد لآداب البلدان العربية أو غيرها وإنما يجب أن يكون مصنوعاً طبق الأصل لأفكار السودانيين وحرارة نفوسهم وعواطفهم ليسير الأدب السوداني فخماً جليلاً موسّماً بوسم السودان في طريق المثل الأعلى. وهذا الوعي المبكر بنظرة الآخر وبخصوصية الذات يُعَدُّ من أهم السمات التجديدية في أطروحات شعراء الحداثة في السودان. ولعل إدراكهم المبكر لنظرة الآخر العربي والغربي المشوشة للسودان وأهل السودان كان أحد الدوافع للمناداة بالتمسك بالخصوصية الأدبية والثقافية والاجتماعية والعمل على إبرازها في النشاط الأدبي، وعدم التشبه بالآخر وتقليده. والسؤال عن الهوية كان ومازال يؤرق ذهن المثقف السوداني في جميع الأُطر: سياسية كانت أم فكرية، أم ثقافية، أم فنية، أم اجتماعية. وقد تناول هذه المسألة العديد من الأدباء في شعرهم ونثرهم. منهم من تطرف للشمال، ومن وقف أقصى الجنوب، ومنهم من توسط.
ومن أقوال من تطرف شمالاً نذكر قول الشاعر عبد الله عبد الرحمن الضرير:
لمجمعِ اللّغةِ الفصحي أقدِّمـــــــــــــه
بحثاً كتابي وكان البحث مرغوبا
يبدو به عالمُ السّودان أجمـــــــــــــعُه
شعباً إلى العرب العرباء مَنْسُوبـا
عاداً، طباعاً، لغات، همة دفعت
بهم إلى المجد حتى بددوا النّوـبا
ومن رواد الجنوب محمد الفيتوري، يقول:
أفريقيا النّائيه
يا وطني يا أرضَ أجداديه
إنّي أناديك
ألم تسمعي صراخَ آلامي وأحفاديه؟
ومن أهل المنزلة بين المنزلتين، نذكر قول محمد المكي إبراهيم:
بعضُ الرّحيقِ أنا
والبرتقالةُ أنت
يا مملوءةَ السّاقين أطفالاً خلاسيين
يا بعضُ عربيّة وبعضُ زنجيّة
وبعضُ أقوالي أمام الله.
شارك المقال